يؤوده عظيم، ولا يبهظه جسيم، ولا يجري في القران مع شقيقه، ولا في الطريق مع رفيقه، إلا كان مجلّيا لا يسبق، ومبرزا لا يلحق، وفائتا لا ينال شأوه ونهايته، وماضيا لا يدرك مداه وغايته. وأشهد الله أنّ الذي ساءه ساءني فيه، وما آلمه آلمني له، ولم يجز عندي في حكم ما بيني وبينه استصغار خطب جلّ عنده وأرمضه، ولا يهوننّ صعب بلغ منه وأمضّه؛ فكتبت هذه الرقعة قاضيا بها من الحقّ في مصابه بقدر ما أظهره من إكباره، وأبله من إعظامه. وأسأل الله أن يخصّ القاضي من المعوضة بأفضل ما خصّ به البشر عن البقر، وأن يفرد هذه العجماء بأثرة من الثواب، يضيفه بها إلى المكلّفين من ذوي الألباب، فإنها وإن لم تكن منهم فقد استحقّت أن تلحق بهم، بأن مسّ القاضي أيده الله سببها، وأن كان إليه منتسبها، حتى إذا أنجز الله ما وعد به عباده المؤمنين من تمحيص سيئاتهم، وتضعيف حسناتهم، والإفضاء بهم إلى الجنة التي جعلها الله لهم دارا، ورضيها لجماعتهم قرارا، أورد القاضي حينئذ موارد النعيم، مع أهل الصراط المستقيم، وثوره مجنوب معه مسموح له به. وكما أنّ الجنة لا يدخلها الخبث، ولا يكون من أهلها الحدث، إنما هو عرق يجري من أبدانهم، ويروي أغراضهم كالمسك، كذلك يجعل الله مجرى الأخبثين من هذا الثور يجريان للقاضي بالعنبر الشّحريّ، وماء الورد الجوريّ، فيصير ثورا له طورا، وجونة عطار طورا. وليس ذلك بمستبعد ولا مستنكر، ولا مستصعب ولا متعذّر، إذ كانت قدرة الله- جلّ ثناؤه- محيطة، ومواعيده لأمثاله ضامنة بما وعد الله في الجنة لعباده الصادقين، وأوليائه الصالحين، من شهوات نفوسهم وملاذّ أعينهم، وما هو سبحانه مع غامر فضله وفائض كرمه بمانعه ذاك مع صالح مساعيه ومحمود شيمه. وقلبي متعلّق بمعرفة خبره- أدام الله عزّه- فيما ادّرعه من شعار الصبر، واحتفظ به من صالح الأجر، ورجع إليه من التسليم لأمر الله عزّ وجلّ الذي طرقه، والسكون لما أزعجه وأقلقه، فليعرّفني القاضي من ذلك ما أكون به ضاربا معه بسهم المشاركة فيه، وآخذا بقسط المساعدة عليه، إن شاء الله.