للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب من القاضي ابن قريعة:

وصل توقيع سيدنا الوزير بالتعزية عن اللاي [١] الذي كان للحرث مثيرا، وللدولاب مديرا، وبالسّبق إلى كثير من المنافع شهيرا، وعلى شدائد الزمان مساعدا وظهيرا. ولعمري لقد كان بعمله ناهضا، ولحماقات البقر رافضا، وأنّى لنا بمثله وشرواه ولا شروى له، فإنه كان من أعيان البقر، وأنفع أجناسها للبشر، مضاف ذلك إلى خلائق حميدة، وطرائق سديدة. ولولا خوفي تجديد الحزن عليه، وتهييج الجزع لفقده، لعددتها فيه ليعلم أنّ الحزين عليه غير ملوم، وكيف يلام امرؤ فقد من ماله قطعة يجب في مثلها الزكاة، ومن خدم معيشته بهيمة تعين على الصوم والصلاة. وفهمته فهم متأمّل لمراميه، وشاكر على النعمة فيه، فوجدته مسكّنا ما خاطر اللبّ وخامر القلب، ففقد هذا اللاي من شدّة الحرق، وتضاعف القلق، وتزايد اللوعة، وترادف الارتماض بعظم الروعة، فرجعت إلى أمر الله فيه من التسليم والرضا، والصبر على ما حكم وقضى، واحتذيت ما مثّله سيدنا الوزير من جميل الاحتساب، والصبر على أليم المصاب، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، قول من علم أنه سبحانه أملك بنفسه وماله وولده وأهله منه، وأنه لا يملك شيئا دونه، إذ كان جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه الملك الوهّاب، المرجع ما يعوّض عنه نفيس الثواب.

ووجدت أيّد الله سيدنا الوزير للبقر خاصّة على سائر بهيمة الأنعام [٢] التي أكثر أقوات البشر بكدّها وعلى ظهرها وحراثها إلا قليلا، قال الله سبحانه:

أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ

(الواقعة: ٦٣- ٦٤) . ولما رأى الحجاج الأسعار قد تضايقت، وقرى السواد قد خربت، حرّم لحوم البقر، لعلمه وعلم جميع الناس بما في بقائها من المنافع والمصالح. ورأيت الله تعالى قد أمر في القتيل الذي وجد في بني إسرائيل أن يضرب بقطعة من بقرة بلغ ثمنها


[١] زهر: الثور الأبيض.
[٢] إلى هنا ينتهي النص في زهر الآداب.

<<  <  ج: ص:  >  >>