منهم، فانتضى السيوف من أغمادها، وأوقد النيران في شعلها، ثم ركب بأهل الحقّ إلى أهل الباطل، فلم يبرح يفصل أوصالهم ويسقي الأرض دماءهم «١» ، حتى أدخلهم في الذي خرجوا منه، وقرّرهم بالذي نفروا عنه. وقد كان أصاب من مال الله بكرا يرتوي عليه، وحبشية ترضع ولدا له، فرأى من ذلك غصّة في حلقه «٢» عند موته، فأدّى ذلك إلى الخليفة من بعده، وبرىء إليهم منه، وفارق الدنيا تقيّا نقيّا على منهاج صاحبه. ثم قام بعده عمر بن الخطاب، فمصّر الأمصار، وخلط الشدّة باللين، فحسر عن ذراعيه، وشمّر عن ساقيه، وأعدّ للأمور أقرانها، وللحرب آلتها، فلما أصابه فتى المغيرة استهلّ بحمد الله ألا يكون أصابه ذو حقّ في الفيء فيستحلّ دمه بما استحلّ من حقّه. وقد كان أصاب من مال الله بضعة وثمانين ألفا، فكسر بها رباعه، وكسر «٣» بها كفالة أولاده من بعده، وفارق الدنيا تقيّا نقيّا على منهاج صاحبيه. ثم إنّا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ظلع، ثم إنك يا عمر ابن الدنيا، ولدتك ملوكها، وألقمتك ثديها، فلما وليتها ألقيتها حيث ألقاها الله، فالحمد لله الذي جلابك حوبتنا، وكشف بك كربتنا، امض ولا تلتفت، فإنه لا يعز على الحقّ شيء «٤» ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات.
ولما أن قال: ثم إنّا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ظلع، سكت الناس إلا هشاما، فإنه قال: كذبت، كان عثمان هاديا مهديا.
[٦٥٤]- لما قام السفاح أبو العباس أول خلافته على المنبر، قام بوجه كورقة المصحف فاستحيا فلم يتكلم، فنهض داود بن علي عمّه حتى صعد المنبر. قال