واستغزر الحلب من أخلافها، واستمرأ العذب من نطافها، لا يرى لها انقطاعا، ولا يخشى على درّتها مصاعا، فهو على لذّاتها منهمك، وبحبال خدعها متمسّك، يسحب فيها ذيل الأشر الخليع، وينقاد إليها انقياد المؤتمر المطيع، نومته على السّكر والمزمار، وصبحته على النّشوة «١» والخمار، لا يلتفت إلى نوبها التي أقرحت الجفون، ومناياها التي أفنت القرون، ولا يرى عليه من أجله رقيبا، ووراءه من خالقه طليبا، ينتزعه من يد الناصر ولا يجد امتناعا، ويسلبه لفتة الناظر فلا يستطيع دفاعا، فذاك المعدود من الأخسرين أفعالا، والمحسوب من الأضلّين أعمالا.
فاتّقوا الله عباد الله حقّ تقاته، واعتدّوا لدنوّ الأجل وميقاته، واعملوا لقبر لحده مظلم، وسفر يخاف فيه سوء المقدم، واحذروا الموت قبل التوبة، وعضّ الأنامل يوم الأوبة يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
(الشعراء: ٨٨- ٨٩) . جعلنا الله وإيّاكم ممن ائتمر وازدجر، وعلم واستبصر، واعتبر وتذكّر، واستقال واستغفر، استغفروا الله لي ولكم ولسائر «٢» المسلمين.