للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد بقيت، وعداوة في الأنفس قد استقرّت، وخوف قد ظهر، وسبل قد قطعت، وامرأة قد أرملت، وصبيّة قد يتّمت، وبلاد عامرة قد خربت، وعدد قد نقص، وبلايا قد عمّت وشملت، وعدوّ قد شمت، ومنافق قد رفع إلى ما كان يؤمّل رأسه، وعدوّ من المشركين قد طمع، وقوي بعد ضعف، وعزّ بعد مذلّة، ورعيّة قد ضاعت، وناعبة قد ولولت، وحميم قد قتل حميمه، ومودة قد صارت عداوة، واجتماع من الأهواء قد عاد إلى فرقة، وأرحام قد تقطّعت.

فانظروا يا معشر المسلمين ماذا تفعل الفتنة والمعصية، وكيف يدبّ الشيطان لها، ويسعى فيها، ويحتال بخديعته ومكره ولطيف «١» مسالكه، حتى يلهبها ويشعلها، ويرفعها من قلّتها «٢» إلى الكثرة، ومن صغرها إلى كبرها، فإنه إنما يبدأ بالطعن على الولاة، ثم يترامى إلى الشّكاة والسخط والغضب، وزيّن لهم القتال، فبلغ الهلاك الأعظم والشرّ الأكبر، بطرف أمر صغير الخطر في الظاهر عظيم البليّة في الباطن، فلا يزال الرجل ينظر منهم إلى قاتل أبيه وأخيه وحميمه وذوي قرابته وأهل مودته، والنافع- كان- له، ثم يحمل العداوة في قلبه، والحقد في نفسه، والضغينة العظيمة عليه، ويستعدّ للنقمة منه، وطلب الذّحل عنده، فتثبت تلك الضغائن في الأبناء بعد الآباء. فانظروا يا أهل الإسلام من أين دبّ الشيطان بلطيف مسالكه، وعلى أيّ شيء ورد، وإلى أيّ أمر ترامى حتى عمّ بالمعصية أهل الإسلام عامة.

[٦٩١]- ومن كلامه- يعني عبد الحميد- في الطاعة: أما بعد، فإنّ الله تباركت أسماؤه، وجلّ ثناؤه، وتعالى ذكره، اختار لنفسه من الأديان والملل كلّها الإسلام، ثم جعل أهله الذين أكرمهم به، واصطفاهم له، خيرته من عباده


[٦٩١] أدرجت في كتاب عبد الحميد (رقم ١٧ ص: ٢١٠) نقلا عن التذكرة الحمدونية.

<<  <  ج: ص:  >  >>