جمع الله فيها شعب الخير وأنواع البرّ ومناقب الفضل، وجعلها واصلة بالإسلام سببا إلى كلّ هدى وفضيلة، واختيارا لكلّ سعادة وكرامة، في عاجل وآجل، مع ما توكّل به من حفظها ومنعها، والذبّ عن حرمتها، والنصر لمن جاهد عليها، والإعلاء لمن أوجبها له من ولاة الحقّ وأنصار الدّين، والإظهار لهم على من خالفهم ونكّب عن سبيلهم، وأراد المفارقة لحقّهم، إلى ما كان أعدّ لحزبها وأوليائها الذين نصرهم الله وأحلّهم- بما لزموا منها وحدبوا عليها من التمسّك بها- في رضوان الله والنعيم المقيم لا تغيير له ولا انقطاع ولا زوال، عطاء من ربك غير مجذوذ. وجعل المعصية شقاء وخسارا وتبارا، وسببا لكل نقص وذلّ وهوان وحسرة، فمن اعتصم بها، وأقام عليها، ودعا إليها، كان من إخوانها والغواة فيها، مع ما يريهم الله في عاجل أمرهم: من إدحاض حجّتهم، وسوء مصارعهم، وقطع مددهم، وتفريق نظامهم، وإزهاق باطلهم، وإظهار أهل الطاعة عليهم، وإمكانه منهم في كلّ مجمع يجمع الله منهم جماعة، إلى ما أعدّ الله لهم من أليم العقاب، وسوء الحساب، وشديد العذاب، لا يفتر عنهم، ولا هم فيه مبلسون. فمن أراد الله إسعاده وتوفيقه وتبصيره حظّه لزم الطاعة وعرف حقّها، وما جعل الله فيها من السعة والعصمة والمخرج، وآثرها وواظب عليها، وكان من أهلها، وأدّى الحقّ الذي أوجبه الله عليه لوليّها إليه، فأحرز بذلك نفسه، وسلّم به دينه، واستكمل به أفضل ما يرغب به من ثواب ربّه، ولم يكن متخوفا للغير في دنياه، متوقّعا للنّقم، متوكّفا للقوارع أحلّت بأهل المعصية والخلاف والمفارقة للحقّ وأهله، وكان من ذلك في أمن ونجاة وسلامة وعافية.
ومن أراد الله به غير ذلك، لما يعلم من ضميره ودفينه، تخلّى منه، وأسلمه إلى قرينه وما يسوّل له من غروره، ويمنّيه من أباطيله، فاستشعروا ركوبها ودخلوا مع الغواة فيها، ودعوا إليها، فكانوا خائفين، ولائذين مترقبين للدوائر التي يخافون أن تحلّ بهم، وتأتي عليهم. فإنّ الله تعالى يقول: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَ