العقول وشهادة الأفهام، ثم استظهر لهم في التبصرة، وعليهم في الحجة، برسل أرسلهم، وآيات بيّنها، ومعالم أوضحها، ومنارات بمسالك الحقّ رفعها، وشرع لهم الإسلام دينا، وارتضاه واصطفاه، وفضّله وأسناه، وشرّفه وأعلاه، وجعله مهيمنا على الدين كلّه ولو كره المشركون، وقرن العزّ بحزبه وأهله، فقال عزّ من قائل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ*
(التوبة: ٣٣، الصف: ٩) ، وأيّده بأنبيائه الدّاعين إليه، والناهجين لطرقه، والهادين لفرائضه، والمخبرين عن شرائعه، قرنا بعد قرن، وأمّة بعد أمّة، في فترة بعد فترة، وفئة بعد فئة، حتى انتهى بقدره جلّ ذكره إلى مبعث النبيّ الأميّ، الفاضل الزكيّ، الذي قفّى به على الرسل، ونسخ بشريعته شرائع الملل، وبدينه أديان الأمم، على حين فترة وترامي حيرة، فأباخ به نيران الفتن، بعد اضطرامها، وأضاء به سبل الرّشاد بعد إظلامها، على علم منه تعالى ذكره، بما وجد عنده من النهوض بأعباء الرسالة، والقيام بأداء الأمانة، فأزاح بذلك العلّة وقطع المعذرة، ولم يدع للشّاكّ موضع شبهة، ولا للمعاند دعوى مموّهة، حتى مضى حميدا فقيدا، تشهد له آثاره، وخلّف في أمّته ما أصارهم به إلى عطف الله ورحمته، والنجاة من عقابه وسخطته، إلّا من شقي بسوء اختياره، وحرم الرّشد بخذلانه، صلّى الله عليه وعلى آله أفضل صلاة وأعمّها، وأوفاها وأتمّها.
والحمد لله الذي خصّ سيّدنا الأمير بالتوفيق، وتوجّه له بالإرشاد والتسديد، في جميع أنحائه ومواقع آرائه، وجعل همّته- إذ كانت الهمم إلى خدع الدنيا صادفة، وزخارفها التي تتجلى بها لأبنائها وتدعو إلى نفسها- مقصورة إلى ما يجمع له رضى ربه، وسلامة دينه، واستقامة أمور مملكته، وصلاح أحوال رعيّته، وأيّده في هذه الحال العارضة، والشبهة الواقعة، التي تحار في مثلها الآراء، وتضطرب الأهواء، وتتنازع خواطر النفوس، وتعتلج وساوس الصّدور، ويخفى موضع الصواب، ويشكل منهج الصلاح، بما