اقترابا، رأفة منه بعباده ولطفا، وتحنّنا عليهم وعطفا، لئلا يستمرّ بهم التّتايع في التدابر والتقاطع، وليكونوا بررة إخوانا، وعلى الحقّ أعوانا، لا يتنكّبون له منهجا، ولا يركبون من الشبهة ثبجا، بغير دليل يهديهم قصد المسالك، ولا مرشد يذودهم عن ورود المهالك؛ أحمده على نعمه التي لا يحصي الواصفون إحصاءها، ومننه «١» التي لا يؤدّي الشاكرون جزاءها، وأياديه التي لا يحمل الخلق أعباءها، حمدا يتجدّد على مرّ الأزمان والدّهور، ويزيد على فناء الأحقاب والعصور، ويقع بمحابّه في جميع الأمور، فإنّ أحقّ ما استعمله الغالون، ونطق «٢» به التالون، وآثره المؤمنون، وتعاطاه بينهم المسلمون، فيما ساء وسرّ، ونفع وضرّ، ما أصبح به الشّمل ملتئما، والأمر منتظما، والفتق مرتتقا، والصلح متّسقا، والسيف مغمودا، ورواق الأمن ممدودا، فحقنت به الدّماء، وسكنت به الدّهماء، وانقمع له الأعداء، واتّصل به السرور، وأمنت معه الشّرور، وليس شيء بذلك أولى، وإلى إحراز الثّواب به أدنى، من الصّلح الذي أمر الله تبارك وتعالى به، ورغّب فيه وندب إليه، فقال وقوله الحقّ:
لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ
(فصلت: ٤٢) فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
(الحجرات: ١٠) .
[٧٠١]- كتب سهل بن هارون إلى ذي الرياستين: إنّ للأزمة فرجا، فكن من ولاة فرجها، ولأيامها دولا، فخذ بحظّك من دولتك منها، ولدولها امتدادا فتروّد قبل أوان تصرّمها، فإن تعاظمك ما أنبأتك عنه فانظر في جوانبها تأخذك الموعظة من جميع نواحيها، واعتبر بذلك الاعتبار على أنّك مسلم ما سلّم إليك منها. فكتب عهده على فارس.