وبعد تناء تدانيا، وبعد تعاد «١» تصافيا وحبّا، وأعقب افتراقا من المتشاحنين اعترافا، واختلافا ائتلافا، وتدابرا تناصرا، وتخاذلا تظاهرا، نظرا لخلقه وعائدة عليهم، واعتمادا لما فيه مصالح آخرتهم ودنياهم، ومدح الصّلح وحدا عليه، وحمد السلم إذا جنح الخصم إليه، فقال عزّ من قائل: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ
(الأنفال: ٦١) وألّف بين القلوب في سبيله، ولأمها في نصرة رسوله، وقال: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ، إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(الأنفال: ٦٢- ٦٣) وصان المسلمين- عند الفتح العامّ للبلد الحرام، وإظهار الإسلام على الدّين كلّه، والإدالة من الكفر وأهله- عمّا يلحق من في دارهم من مسلم أو مسلمة- غمرتها الجملة وأخفت من موضعها الشبهة- من مضرّة، وسمّاها للمسلمين معرّة، وجعلها واصلة إليهم إذا وصلت إلى أولئك منهم، فقال جلّ ذكره: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ
(الفتح: ٢٥) فحماهم من يسير الإثم، وإن كان ساقطا بعد العلم؛ واختار لهم الخلوص من الشّوائب في الدّين، وجعل هذه الخلال الرضيّة والخصال الحميدة لهم أدبا، ولمصالحهم سببا، فندبهم لها، وأرشدهم إلى سوابق نعمه، ونفائس قسمه، التي بدأ بها قبل الاستيجاب، وأوجب على شكرها حسن الثّواب، حمدا يرتفع إليه، ويزكو لديه، ويمضي ما فرض في تحميده، ويوجب ما يأذن به من مزيده، وصلّى الله على محمد عبده وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، والمبعوث لإحياء دينه ونصرة حقّه، وعلى الطيبين من آله وسلّم تسليما.
٧٠٠- وفي مثل ذلك ... الحمد لله مقلّب القلوب وعالم الغيوب، الجاعل بعد عسر يسرا، وبعد عداوة ودادا «٢» ، وبعد تحارب اجتماعا، وبعد تباين