للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إساءتك بما لم تحتسبه أولياؤك، فلا تدع «١» أن تأتي من إحسانك بما لا يرتقبه أعداؤك. وكما استمرّت بك الغفلة حتى ركبت ما ركبت، واخترت ما اخترت، فلا عجب أن تنتبه انتباهة تبصر فيها قبح ما صنعت، وسوء ما آثرت، وسأقيم على رسمي في الإبقاء والمماطلة ما صلح، وعلى الاستيناء والمطاولة ما أمكن، طمعا في إيناسك «٢» ، وتحكيما لحسن الظنّ بك. فلست أعدم فيما أظاهره من إعذار، وأرادفه من إنذار «٣» ، احتجاجا عليك، واستدراجا لك، فإن يشأ الله يرشدك، ويأخذ بك إلى حظّك ويسدّدك، فإنه على كل شيء قدير.

فصل منها: وزعمت أنّك في طرف من الطاعة بعد أن كنت متوسّطها، فإذا كنت كذاك فقد عرفت حاليها، وحلبت شطريها، فنشدتك الله لما صدقت عما سألتك عنه: كيف وجدت ما زلت عنه؟ وكيف وجدت «٤» ما صرت إليه؟ ألم تكن من الأوّلين «٥» في ظلّ ظليل، ونسيم عليل، وريح بليل، وهواء عذي، وماء رويّ، ومهاد وطيّ، وكنّ كنين، ومكان مكين، وحصن حصين، يقيك المتالف، ويؤمّنك المخاوف، ويكفيك من نوائب الزّمان، ويحفظك من طوارق الحدثان، عززت به بعد الذّلّة، وكثرت بعد القلّة، وارتفعت بعد الضّعة، وأيسرت بعد العسرة، وأثريت بعد المتربة، واتّسعت بعد الضّيقة، وأطافت بك الولاة «٦» وخفقت فوقك الرّايات، ووطىء عقبك الرّجال، وتعلّقت بك الآمال، وصرت تكاثر ويكاثر بك، وتشير ويشار إليك، ويذكر على المنابر اسمك، وفي المحاضر ذكرك؟ ففيم الآن أنت من الأمر وما

<<  <  ج: ص:  >  >>