أن يزاد في التناصر، ويحصّن الملك بالتظاهر. وبذلت جهد النّاصح، وهديت بالأدب الصالح، إلى الطريق الواضح، فثنى الأمير السيّد فخر الدولة عنانه عن نيسابور لإعادة الألفة، وجدّ على سمت جرجان ماحيا للنّبوة، إلا أنّ القضاء سبق فلم يلحق، وفرط فلم يدرك، وقبض أمير الأمراء- قدّس الله روحه- إلى قبضة الرحمة، والصلوات الجمّة، بعد أن ذلّل الخصوم، وأدال القروم، واسترقّ الأعداء، وساس الدّهماء، واستقلّ بالأعباء، وخلّف أطيب الأبناء.
فخدمت الدولة بالضبط بقدر ما استطعت، وتكلّفت بقدر ما كفلت له واتسعت، إلى أن عاد مولانا فخر الدّولة إلى منصبه الممهود، وسريره الموروث، ورواق عزّه الممدود، ومستقرّ ملكه المنصور، فتجلّت الغمم، ونهضت الهمم، وقويت المنن، وانزاحت الظّلم، وأصفقت الكافّة، ونزلت الرحمة والرأفة، وشفى الله صدور قوم مؤمنين، وقيل الحمد لله ربّ العالمين. ورأى أهل البصائر أن قد أعاد الله الدولة أجدّ ما شوهدت، وأشبّ ما عوهدت، نافضة غبارها، رافعة منارها، خافقة بلوائها، مستعلية على أعدائها، مرسية بدعامتها عند من يوفّيها نذورها، ومفوّضة زعامتها إلى من يحميها محذورها. فكان من أول ما فاتحته- حرس الله ملكه- فقرأت منه صحيفة السعادة، وأخذت منه بوثيق الإرادة، ما أعلمنيه من عكوف همّته على عمارة ما أثّله الأمراء السعداء بينهم قبل انخراطها في سلك الاتفاق، وانحطاطها في شعب الائتلاف، ودعا الأمراء السادة من أهله- بحق الكبر وفضل التجريب لأطوار الدّهر- إلى التّناصر والتناصف، والإعراض عن التّباعد والتّخالف، ورفض المنافسة التي تهيج كوامن النفوس، وتثير سواكن القلوب، فقد آتى الله تعالى في التماسك فسحة، ولم يوجد في المشاحنة المباينة رخصة. هذا ولو كانت على أشدّ تضايق وأتمّ تقارب، لوجب أن يتساهم عليها، فإنّ يسير الحظّ مع التعاون والتآزر خير من كثيره مع التقاطع والتّدابر. فإن كان منهم من تأخذه العزّة بالإثم، ويبغي تجاوز سابق الوصيّة والحكم، كانت الجماعة يدا عليه، إلى أن يفيء للحسنى، ويعود طوعا