أو كرها للطريقة المثلى. فأما الذي عنده- أعلى الله جدّه- لمولانا الأمير صمصام الدولة وشمس الملّة، فالانصباب بالمودّة التي لا مطلع من بعدها، ولا منزع من وراء حدّها، وبالإشفاق المتناهي إلى حيث لا اقتراح وراءه للمريد، ولا استزادة لملتمس المزيد، والله يمنع بعضا ببعض، ويمدّ هذه الظلال على بسيط الأرض، حتى لا يعرف لها من سواهم ملك يطاع، ولا مالك يقع عليه الإجماع، إنّ الله سميع مجيب.
وأرجع إلى ما افتتحت له المخاطبة. كان كتاب الأستاذ الأوّل قد ملأ اليدين فضلا، وحمّل الكاهل ثقلا، وأيقنت أنّ أولى المودّات بالثقة الوكيدة، وأحراها بالاستقامة الشديدة، مودّته التي طلعت من أفق فضل، وشيّدها كرم أصل، فأتت تبرّعا من غير استجلاب، وتطوّعا من دون استكراه، ورجوت أن أكون نعم الناهض بحقّ المقاطعة، وإن حاز بالمبرّة الرتبة السابقة، ووجدته قد بذل من نفسه في المشاركة، ما لو كلّفته إيّاه لكنت متحكّما، أو مائلا على جانبه، متسحّبا، فغدوت أرى الحال بيننا أولى ما أصرف الهمم إلى حفظه من جوانبه، وأوكل الفكر بحراسته، عن الدّهر ونوائبه. وليس ذلك إلا نتيجة ما قدّمه، وثمرة ما تجشّمه، وإلا فقد علم الأستاذ أنّ كثيرا ممّن سدّ خصاص المجلس الذي سدّه، وإن لم يسدّ في الكفاية والبراعة مسدّه، كاثرني فحققت، وباسطني فتقبضت، لا تقصيرا بالواحد، ولكن علما بالمصادر والموارد.
فلما وجدت من جمع مزيّة الاستقلال إلى كرم الخلال، وشرف النجار إلى من كان أهلا للإكبار، ومن هنئت به الأمور قبل أن يهنّا، وأولاه الله أدب الصدور قبل أن يولّى، أرسلت نفسي على سجيّتها، وأعدتها لفطرة أوّليتها، وظننت الله قد أنشر الفضلاء الأعيان الذين كنت أتجمّل بودادهم، وأتكثّر باعتقادهم، وآنست قلّة الصديق من بعدهم. والآن حين أعتب الزّمان فغفرت له أكثر جرائره، وسحبت ذيل التجاوز على معظم جرائمه، ورد بعده كتابان جعلا التفضّل منه عادة، والبرّ إبداء وإعادة. ولو قد وفيت بما سبق، لوفيت الحقّ في