للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منزلته، وإيفائه به إلى أعلى مراقي الكمال والفضل، ومفيضا عليّ من صنوف البرّ والإكرام، وضروب المنن الجسام، ما يستعبد الأحرار بأقلّه، وتسترقّ الأعناق بأيسره، ومفوّضا «١» إليّ من جلائل الأمور ومعاظم الشّؤون، ما يجب أن تكون المفاوضات بيننا فيه متردّدة، وسبل المواصلة به وبأمثاله معمورة، وفهمته.

فأما تذمّم سيّدنا الصاحب من تأخّر الأجوبة عن كتبي المتواترة إليه، واعتذاره من ذلك بما اعتذر به، فقد قام عندي إحضاره إياها، وحفظه عددها، وتوكّل فكره ومراعاته بها، وجمعه الجواب عنها في الكتاب الذي هذا جوابه، مقام المكاتبة الجارية على المواظبة، المستمرّة على المداومة، لاسيما مع ما تناولني به من لفظه الجميل، وبرّه الهني، ومطاولته البالغة، ومناقشته الشافية، وعلى حسب ظمأي- كان- إلى ذلك والتياحي، وسروري الآن به وارتياحي. وهذه حال تخفّف عنه كلفة الاعتذار، وتوجب له مزيدا في الاعتداد، لا أعدمني الله تحمّل عوارفه، وتطوّل مننه، مع الإنهاض بها، والمعونة على شكرها.

وأما ما ذكره سيّدنا الصاحب من الأثقال الفادحة التي حملها، والأمور المنتشرة التي نظمها، بين الرزيّة في أمير الأمراء مؤيّد الدولة، رضي الله عنه، التي نكأت القلوب وأقرحت الأكباد، وبين العطيّة في مولانا الأمير الأجلّ فخر الدولة التي أقرّت العيون، وأثلجت الصدور، فلقد كنت لجميع ذلك متصوّرا وبه محيطا، ولو لم أعلمه بالمراعاة، وأضرب فيه بسهم الموالاة، لعلمته بالقياس والاستدلال، لأني كافحت الثانية للأولى، ولاقيت الداهية الجلّى في الملك الأعظم، والسيّد المقدّم عضد الدولة وتاج الملّة، لقّاه الله روحه وريحانه، وبوّأه جنّته ورضوانه، وقاسيت شدائد متعبة فيما خدمته به أيام علّته المتطاولة، وفيما نفّذته بعده من وصاياه المؤكّدة. ولما انتقل إلى جوار ربّه وانقلب إلى كرامته

<<  <  ج: ص:  >  >>