وعفوه، ثنيت وجهي إلى احتذاء مراسمه، وامتثال أوامره، فيما عقده من العهد للملك القائم بعده، السادّ ثلمة مكانه، الوارث شرف منزلته، المستقرّ في علياء رتبته، مولانا صمصام الدولة وشمس الملّة، مستمليا فيما أخذت وتركت، وأوردت وأصدرت، من سديد آرائه، ومستضيئا بوميض لألائه، وضاربا وجوه النوائب بيمن طائره، وسعادة طالعه، إلى أن تجلّت غماؤها، وأسمح إباؤها، وتذللت صعابها، وتفلّلت أنيابها، وضربت الدولة بجرانها، واستعلت بأركانها، واطمأنّت على مهادها، وطرف الله عين شنائها وحسّادها؛ هذا على شوائب كانت تعترض ثم تقلع، وتطلّ ثم لا تقشع، لا تخلو الدول المتجدّدة من اعتنان أمثالها وأشكالها، وأحسن بها مع حسن عقباها ومآلها. فلو وصفت لسيّدنا ما مرّ بي في هذه الأحوال من إصلاح الفاسد، وتقويم المائد، وقبض المنبسط، وإرضاء المتسخّط، وتألّف المخالف، واستقادة المتجانف، ومقابلة كلّ داء بدوائه، وتعديل كلّ أمر خيف من اضطرابه والتوائه، لطال الخطب واتصل القول. وأنا أحمد الله على أن جمع بيننا فيما تولّانا به من المعونة التي قضينا بها حق موالينا الأمراء السادة، صلوات الله على من مضى منهم وسلف، وأطال الله بقاء من قام بعدهم وخلف، وإيّاه أسأل إدامتهم والزيادة فيها، ليشار إلينا في المستقلّين بحمل أياديهم، كما يشار إليهم في الإنعام على مواليهم، بمنّه وطوله.
وأما ما أورده سيّدنا الصاحب في الحضّ على التآلف والتعطّف، والنهي عن التقاطع والتّدابر، فمثله- ولا مثل له- قال ذلك وأرشد إليه، وأشار به وحثّ عليه. وحقيق علينا فيما نلتزمه من شكر النّعم التي خصّتنا خصائصها، وتظاهرت علينا ملابسها، أن نكرّر على أسماع موالينا ما يعود عليهم وعلينا في ظلّهم، باجتماع الشّمل، واتّصال الحبل، والتعاضد الكابت لأعدائهم، الزّائد في عليائهم. وبالله ما أجد عند مولانا صمصام الدولة مستزادا في ذلك، ولا موضعا لبعث باعث عليه، إذ كان يرجع إلى أكرم طبيعة، وأشرف غريزة، وأفخر نجار، وأثقب رأي وأصحّ اختيار، ويرى