للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد نفاقها عندك، وبضاعتي ليست زاكية عند أحد كزكائها في حيزك «١» . وأنا وإن كانت الأيّام دخلت بيني وبينك، وبين حظّي منك، وعارضتني في أملي فيك، فليس إلى أن أقطع أسباب رجائي منك، وأنصرف عن الأمور الداعية إليك سبيل. وليس إمساك السماء عن طالب الغيث في حال من الأحوال، بمانع من رجائها في مستقبل الأيّام، ولا داع إلى اليأس منها في غابر الدهر. وما منعني من الكتاب إليك منذ حدثت هذه الحوادث إلا الانتظار أن تسكن النائرة، فإنّ لكلّ شيء حمة «٢» ، ولكلّ مكروه مدّة، ولكلّ حادث تناهيا، فالزوال أولى به، ولا خير في مساورة النوائب وهي مقبلة، ولا في معارضة الدهر في وقت حدّته وشدّته، وربّما تطأطأ المرء للمحنة فتخطّته، وعدل عن سنن الشرّ فنجا منه، وفارق مدرجته، فأمن معرّته. وإنّ هذه المحنة لمحنة ألمّت بي، وما أعرف للزّمان فيها عذرا، ولا لما جنى عليّ منها سببا، لأنه إن كان ذلك لحال كانت بيني وبين من كنت أواصل، فو الله ما ظننت المودّات بين الناس ذنبا عند السلطان فأجتنبه، ولا جرما محتسبا فأتنكّبه.

فصل من هذه المكاتبة:

فأنت العدّة على الزمان، والعون على الدهر المستنجد على الأيام. وقد قصدتك بكتابي هذا لتجدّد ما لعلّ الغيبة أخلقته من الحال، فإنها ربما أحدثت في القلوب النسيان، وقد قيل في ذلك: [من الوافر]

إذا ما شئت أن تنسى خليلا ... فأكثر دونه عدّ الليالي

فما أسلى فؤادك مثل نأي ... ولا أبلى جديدا كابتذال

ولم يرد عليّ وارد هو أبلغ من تقوية أملي واستحكام رجائي من العلم بدوام ما كنت أعهد منك، وأنّ هذه المحنة لم تؤثر عليّ أثرا من رأيك.

<<  <  ج: ص:  >  >>