للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طبقتهم على تلك الطبقة، فإنّ المترسّلين إنما يترسّلون في جباية خراج، أو سدّ ثغر، أو عمارة بلاد، أو إصلاح فساد، أو تحريض على جهاد، أو احتجاج على فئة، أو مجادلة لملّة، أو دعاء إلى ألفة، أو نهي عن فرقة، أو تهنئة بغبطة، أو تعزية على رزيّة، أو ما شاكل ذلك من جلائل الخطوب ومعاظم الشؤون التي يحتاجون فيها أن يكونوا ذوي أدوات كثيرة، ومعرفة مفنّنة. وقد وسمتهم الكتابة بشرفها، وبوّأتهم منزلة رياستها، فأخطارهم عالية بحسب علوّ خطر ما يفيضون فيه ويذهبون إليه. والشعراء إنما أغراضهم التي يرتمون نحوها، وغاياتهم التي يجرون إليها، وصف الدّيار والآثار، والحنين إلى الأهواء والأوطار، والتشبيب بالنساء، والطلب والاجتداء، والمديح والهجاء. فليس يجرون مع أولئك في مضمار، ولا يقاربونهم في الاقتدار «١» . وهذا قول فيما أردناه إن شاء الله تعالى.

[٧٢٦]- وكتب أبو اسحاق الصابي من كتاب إلى رعية خرجت عن الطاعة:

أما بعد، أحسن الله توفيقكم؛ إنّ الشيطان لا يزال يكسو الخدع والشبهات سرابيل الحجج والبيّنات ليشعل بها الأحلام، ويستزلّ الأقدام، وتتّجه له المداخل على عقول ربما استضعفها «٢» ، ومال بها إلى موارد غوايتها، وأزلها عن سنن هدايتها، وأراها الحقّ محالا، والرّشد ضلالا، والخطأ إصابة، والخطل أصالة. بذلك جرت منه العادة، وقامت عليه الشهادة، واستحقّ أن تعصب به اللعنة، وتتوقّى منه الفتنة. وإذا كان ذلك كذلك، فحقيق على كلّ ناظر لنفسه، وحافظ لدينه، أن يتحرّز من الوقوع في أشراكه المبثوثة، وحبائله المنصوبة،


[٧٢٦] المختار من رسائل الصابي: ١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>