وودّ بجدع الأنف لو أنّ صحبه ... تنادوا وقالوا في المتاح له قم
ثم أقبلوا إليّ، وانعكفوا عليّ، بأوجه متهللة، وألسن متوسّلة، في شرح الحال، والقيام بجواب السؤال، فقلت: هذا بديع عجيب، أنا أسأل وأنا أجيب؟ إنّ إلياس بن مضر تزوج ليلى ابنة تغلب بن حلوان بن الحاف بن قضاعة بن معدّ (في بعض النسب) فولد له منها عمرو وعامر وعمير، ففقدهم ذات يوم فأنحى على ليلى باللوم، فقال: أخرجي في أثرهم، وأتيني بخبرهم. فمضت في طلبهم، وعادت بهم، فقالت: ما زلت أخندف في ابتغائهم، حتى ظفرت بلقائهم.
فقال لها إلياس: أنت خندف، والخندفة في الاتباع، تقارب خطو في إسراع.
وقال عمرو: يا أبه، أنا أدركت الصيد فلويته، فقال له: أنت مدركة إذ حويته.
وقال عامر: أنا طبخته وشويته، فقال له: أنت طابخة إذ شويته، فقال عمير: وأنا انقمعت في الخباء، فقال له: فأنت قمعة للاحتباء. فلصقت بها وبهم هذه الألقاب، وجرت بها إليهم الأنساب. فقال حينئذ: هذا علم استفدته، وفضل استزدته، وقد قال الحكيم: مذاكرة ذوي الألباب، نماء الآداب. فقلت له متمثلا:[من الطويل]
أقول له والرمح يأطر متنه ... تأمل خفافا إنني أنا ذلكا
ثم لم يحتبس إلّا قليلا، ولم يمتسك طويلا، ولم ير من رأي فتيلا، حتى عاد إلى هديره، وأخذ في تهذيره، طمعا أن يأخذ بالثار، ويعود الفصّ له في القمار، فعدل عن العلوم النّسبيّة، وجال في ميدان العربية، ولم يحسّ أنّ باعه فيها أقصر، وطرفه دون حقائقها أحسر، فقال: حضرت يوما حلبة من حلبات العلوم، وموسما من مواسم المنثور والمنظوم، وقد غصّ بكلّ خطيب مصقع، وحكيم مقنع، وعالم مصدع، وملىء من كلّ عتيق صهّال، وفنيق صوّال،