كذبت أن أذريته عن سنامها، وجاذبته طرف زمامها، فقلت له: أنا صاحبها ومضلّها، ولي رسلها ونسلها، فلا تكن كأشعب، فتتعب وتتعب. فجعل يلدغ ويصي «١» ويتّقح ولا يستحي، وبينا هو ينزو ويلين «٢» ، ويستأسد ويستكين، إذ غشينا أبو زيد لابسا جلد النمر «٣» ، وهاجما هجوم السيل المنهمر، فخفت والله أن يكون يومه كأمسه، وبدره مثل شمسه، فألحق بالقارظين «٤» ، وأصير خبرا بعد عين. فلم أر إلّا أن أذكرته مودته «٥» المنسيّة، وفعلته «٦» الأمسيّة، وناشدته الله أوافى للتلافي، أم لما فيه إتلافي، فقال: معاذ الله أنّ أجهز على مكلومي، وأصل حروري بسمومي «٧» ، وإنما وافيتك لأخبر كنه حالك، وأكون يمينا لشمالك. فسكن عند ذلك جاشي، وانجاب استيحاشي، فأطلعته طلع اللقحة، وتبرقع صاحبي بالقحة، فنظر إليه نظر ليث العرّيسة إلى الفريسة، ثم أشرع قبله الرمح، وأقسم له بمن أنار الصبح، لئن لم ينج منجى الذّباب، ويقنع من الغنيمة بالإياب، ليوردنّ سنانه وريده، وليفجعنّ به وليده ووديده. فنبذ زمام النّاقة وحاص، وأفلت وله حصاص «٨» ، فقال لي أبو زيد: تسّلمها وتسنّمها، فإنها إحدى الحسنيين، وويل أهون من ويلين.
قال الحارث بن همام: فحرت بين لوم أبي زيد وشكره، وزنة نفعه بضرّه، فكأنّه نوجي بذات صدري، أو تكهّن ما خامر سرّي، فقابلني بوجه طليق وأنشد بلسان ذليق:[من مجزوء الرمل]