سرحتي وكاد يحلّ بساحتي، ألفيته شيخنا السّروجيّ متّشحا بجرابه، ومضطغنا أهبة تجوابه «١» ، فآنسني إذ ورد، وأنساني ما شرد، ثم استوضحته من أين أثره، وكيف عجره وبجره «٢» ، فأنشد بديها، ولم يقل إيها:[من الخفيف]
قل لمستطلع دخيلة أمري ... لك عندي كرامة وعزازه
(وهي أبيات تركت إثباتها هاهنا حتى لا أكدر صفاء بلاغته في منثوره بتقصيره في منظومه) . قال: ثمّ رفع إليّ طرفه، فقال: لأمر ما جدع قصير أنفه. فأخبرته خبر ناقتي السّارحة، وما عانيته في يومي والبارحة، فقال: دع الالتفات إلى ما فات، والطّماح إلى ما طاح، ولا تأس على ما ذهب، ولو أنّه واد من ذهب، ولا تستمل من مال عن ريحك، وأضرم نار تباريحك، ولو كان ابن بوحك «٣» أو شقيق روحك، ثم قال: هل لك في أن تقيل، وتتحامى القال والقيل؟ فإن الأبدان أنضاء تعب، والهاجرة ذات لهب، ولن يصقل الخاطر، وينشّط الفاتر، كقائلة الهواجر، وخصوصا في شهري ناجر، فقلت: ذاك إليك، وما أريد أن أشقّ عليك. فافترش التّرب واضطجع، وأظهر ان قد هجع، وارتفقت على أن أحرس ولا أنعس، فأخذتني السنة حين زمّت الألسنة، فلم أفق إلّا والليل قد تولّج، والنجم قد تبلّج، ولا السروجيّ ولا المسرج. فبت بليلة نابغية، وأحزان يعقوبية، أساور الوجوم، وأساهر النجوم، تارة أفكر في رجلتي، وأخرى في رجعتي، إلى أن وضح لي عند افترار ثغر الضوّ، في وجه الجو، راكب يخد في الدّوّ؛ فألمعت إليه بثوبي، رجاء أن يعرّج إلى صوبي، فلم يعبأ بإلماعي، ولا أوى لالتياعي، بل سار على هينته، وأصماني بسهم إهانته، فأوفضت إليه لأستردفه، وأحتمل تغطرفه، فلما أدركته بعد الأين، وأجلت فيه مسرح العين، وجدت ناقتي مطيّته، وضالتي لقطته، فما