للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاله على أن تسقط اللائمة عنه دون أن تجب المحمدة له؛ ومنهم من ذنبه واضح وعذره معوز، ولكنه فرد لا أخ له وفذّ لا تؤام معه، والأولى به أن يقال إذا اعترف بالحوبة وأخلص في التوبة؛ ومنهم المتردّد في هفواته والمتكرر في عثراته، الجارية عادته أن يكسر التوبة إذا تاب، ويفسخ عقد الإنابة إذا أناب، فذلك الذي يعاقب بالاطّراح ولا يطمع منه بالفلاح. الملك بمن غلط من أتباعه فاتعظ أشد انتفاعا منه بمن لم يغلط ولم يتعظ، فإن الأول كالقارح الذي أدّبته العثرة وأصلحته الندامة، والثاني كالذي هو راكب للغرّة وراكن إلى السلامة؛ والعرب تزعم أن العظم إذا جبر من كسره، عاد صاحبه أشد بطشا وأقوى يدا.

[٨٠٧]- وقال ابن المقفع فيما يتأدب به السلطان: عوّد نفسك الصبر على ما خالفك من رأي ذوي النصيحة، والتجرع لمرارة قولهم وعذلهم، ولا تسهّلنّ سبيل ذلك إلا لأهل الفضل والمروءة والعقل في ستر، لئلا ينتشر من ذلك ما يجترىء به سفيه، أو يستخفّ به شانىء. واعلم أن رأيك لا يتّسع لكلّ شيء ففرّغه لمهمّ ما يعنيك، وأن مالك لا يتّسع للناس، فاخصص به أهل الحقّ، وأنّ كرامتك لا تطيق العامة، فتوّخ بها أهل الفضل، وأنّ ليلك ونهارك لا يستوعبان حاجاتك وان دأبت فيهما فأحسن قسمتهما بين عملك ودعتك. واعلم أن ما شغلت من رأيك بغير المهم أزرى بك في المهمّ، وما صرفت من مالك في الباطل فقدته حين تريده للحقّ، وما عدلت به من كرامتك إلى أهل النقص أضرّ بك في العجز عن أهل الفضل. إن كان سلطانك عند جدّة دولة فرأيت أمرا استقام بغير رأي أو أعوانا اجزأوا بغير نيل، وعملا أنجح بغير حزم، فلا يغرنّك ذلك ولا تستنيمنّ إليه، فإن الأمر الجديد مما يكون له


[٨٠٧] الأدب الكبير: ٤٧- ٤٨، ٥٠ (الحكمة الخالدة: ٢٩٦ وما بعدها) وانظر بعضه في نهاية الأرب ٦: ١٨ والبصائر ٤: ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>