«١٠» - وأما ابن جامع فغنّى ذات يوم صوتا يرثي به أمّه، وكان أحسن الناس صوتا إذا حزن، فلم يملك الحاضرون أنفسهم، وضرب الغلمان برؤوسهم الحيطان والأساطين. وأخباره دالّة بأنّه كان إذا عارض المغنّين بذّهم بصوته في مجلس الرشيد، وكان في وقته فحولهم وذوو النباهة منهم مثل إبراهيم، وحكم الوادي وأمثالهما.
«١١» - وأما ابراهيم بن المهديّ فكان إذا غنّى أنصت له الوحش وجاء حتى يقف قريبا من المجلس الذي يكون فيه حتى ينقضي غناؤه، فإذا سكت عاد الوحش إلى أماكنه من البستان أو الحائر الذي يكون فيه.
ويقال: إنّه كان إذا تنحنح أطرب، وكان يخاطب وكيله من روشنة على دجلة فيسمعه من الجانب الآخر من غير أن يجهد نفسه.
١»
- وأما مخارق فروي أنّه خرج إلى بعض المتنزّهات، فنظر إلى قوس مذهبة مع أحد من خرج معه، فسأله إيّاها فضنّ بها، وسنحت ظباء بالقرب منه، فقال لصاحب القوس: أرأيت إن تغنّيت صوتا يعطف عليك خدود هذه الظباء أتدفع إليّ هذه القوس؟ قال: نعم، فاندفع يغنّي:[من المجتث]
ماذا تقول الظّباء ... أفرقة أم لقاء
أم عهدها بسليمى ... وفي البيان شفاء
مرّت بنا سانحات ... وقد دنا الإمساء
فما أحارت جوابا ... وطال فيها العناء
فعطفت الظّباء راجعة إليه حتى وقفت بالقرب منه مصغية إلى صوته، فعجب من حضر من رجوعها ووقوفها، وناوله الرجل القوس.