البلاء، وتفاقم اللّأواء، حتى وافانا الداء العياء، والداهية الصمّاء، ذو ذقن أثطّ، ورأس أشمط، وفم أدرد، ولسان يرعد، وطنبور أتت عليه الدهور ولم يبق منه إلا الخيال، لو نقر لا نهال بريشة من نسر لقمان، أو عهد ثمود بن كنعان، فاندفع يغنّي لأبينا آدم عليه السلام:[من الوافر]
تغيّرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبرّ قبيح
فرأيت أسمج منظر في أقبح مخبر، لا يشبهها نوبة الحمّى، ولا تشاكلها طلقة الحبلى، وقطّع وقد قطّع القلوب، وأمسك وقد أمسكت الأرزاق عن النّزول.
قلت: من هذا الشيخ الشادي المتفنّن؟ قال: وجه البضاعة، وشيخ الصناعة، المعروف بغلام البنج. فما كان غير بعيد حتى برز شيخ كوسج، همّ أعرج، أخنى عليه الذي أخنى على لبد، فأقبل متبخترا، وسلّم متذمّرا، وأظهر أنّ فيه بقيّة حسنة يرغب في مثلها، وأنّه غرض لما يسام من بذلها، وألفيت صاحب الدار والديوان- أصلحه الله- قد استبشر بحضوره، وكاد يمنّ علينا بوروده، واندفع يغنّي:[من الطويل]
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
فقلت: ما هذا العجب التالي؟ والتغريد الثاني؟ فقال: هل بالشمس من خفاء؟
ودون البدر من ستر؟ هذا زعيم الكوارين، ومتقدّم داسة الطين، المعروف بقسمون البغداديّ. قلت: ليت قسمي من الدنيا بعده، وحظّي من الأيام فقده، إلا أنّ النّوبة كانت أخفّ وقعا، وأقرب لذعا. ثم تلاهما أدبر منهما وأنحس وأشأم جدا وأتعس؛ سقيم يعرف بغلام نسيم، فجلس وقد فارق النفس، وأخذ في شيء من رنينه، وضعف الآلة وتأبينه، معتذرا من تقبيحه بعد الإحسان، باذلا من قبحه الغناء بغاية الإمكان. فحملنا أمره، وبسطنا عذره، فكان ممّا غنّاه ما وافق سقمه وضناه:[من الرجز]