للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله صلّى الله عليه وسلم البيضاء، فخرجت عليها حتى جئت الأراك، أقول: لعلّي ألقى بعض الحطّابة، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة، فيأتيهم فيخبر بمكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ليخرجوا إليه. قال: فو الله إني لأسير عليها ألتمس ما خرجت له، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما [يتراجعان] وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قطّ ولا عسكرا! قال: فعرفت صوت أبي سفيان فقلت: يا أبا حنظلة، قال: فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ قلت: نعم، قال: ما وراءك، فداك أبي وأمّي؟! قلت:

ويلك، هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش! فقال: ما تأمرني؟

قلت: تركب عجز هذه البغلة، فأستأمن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فو الله لئن ظفر بك، ليضربنّ عنقك. فردفني، فخرجت به أركض بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

فكلما مررت بنيران من نيران المسلمين قالوا: عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بغلة رسول الله، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال: أبو سفيان! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد. ثم اشتدّ نحو النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وركضت البغلة حتى اقتحمت على باب القبّة، وسبقت عمر بما تسبق به الدابة الرجل البطيء.

فدخل عمر على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه، فقلت: يا رسول الله، إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأخذت برأسه وقلت: والله لا يناجيه اليوم أحد دوني. فلما أكثر فيه عمر قلت: مهلا يا عمر، فو الله ما تصنع هذا إلا أنّه رجل من بني عبد مناف، ولو كان من بني عديّ بن كعب ما قلت هذا؛ قال: مهلا يا عباس! فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: اذهب فقد أمّنّاه حتى تغدو به عليّ.

[قال] ، قال: فرجعت به إلى منزلي، فلما أصبح غدا به على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟

قال: بأبي أنت وأمي، ما أوصلك وأحلمك وأكرمك! والله لقد ظننت أنّه لو

<<  <  ج: ص:  >  >>