نتذاكر والقاضي أبو بكر بن قريعة حاضر، فأنشدت قطعة من أراجيز المعاني أو غيرها، فاستحسنها المهلبي ومن حضر، وأعجبت القاضي، فقال: يا أبا إسحاق من قائل هذه؟ فقلت له عبثا به: أبو العباس درستويه؛ فقال: أبو العباس صاحب أبي سهل ديرويه؟ قلت: نعم؛ قال: وهو بهذه المنزلة من الأدب والعلم؟ فقلت:
وأكثر. وكان هذا الرجل طغامة [١] ، وقد أوردت حكايات عنه في كتابي الذي ألّفته ولقّبته ببدائع ما نجم من مختلفي كتّاب العجم، وهو الذي حضر مجلس أبي الفرج ابن فسانجس وهو جالس للعزاء بأبيه أبي الفضل وقد ورد نعيه من الأهواز، وعند أبي الفرج رؤساء الدولة يعزّونه، وقد قلّد الديوان مكان أبيه، فلما تمكّن درستويه في مجلسه تباكى وقال: اللهمّ ارحم أبا الفضل، كان تربي، وكان وكان، وعدّد كثيرا من أحواله، ثم التفت إلى أبي الفرج وقال له: أطال الله بقاء سيّدنا، دع ما يقول الناس، ورد كتاب بهذا؟ فقال أبو الفرج: قد وردت كتب عدّة؛ فقال: دع هذا كلّه، ورد كتابه بخطّه؟ ما جلسنا للعزاء بكما، وأطرق وهو كالمتبسم، وضحك الحاضرون، وانقطع العزاء، ونهض أبو الفرج ولم يعد إلى مجلسه.
قال أبو إسحاق، فقال القاضي: ما علمنا أن أبا العباس بهذه المنزلة من العلم، فيجب أن نقصده ونأخذ عنه فوائده، ونستدعي ديوانه، ونكتب عنه.
فقلت قصّر القاضي حيث لم يفعل هذا إلى الآن. قال وانقطع المجلس وبكّر القاضي وقصد دار درستويه، واستأذن عليه، وبدأه بالسلام ومعرفة خبره والاعتذار إليه من تقصيره في حقّه، وذاك يجيبه بما يقتضيه لفظه، ثم قال له القاضي: كنّا البارحة بحضرة الوزير، أطال الله بقاءه، نسمر، فأنشد صديق للشيخ أرجوزة من أراجيزه استحسنها الوزير أعزّه الله وجميع من حضر، فقلت ما يجب على مثلي من أصدقاء الشيخ وأودّائه من يستتبعها بالوصف لها والطرب عليها، وموفيها الحقّ من استحسانها بذلك المجلس، وحضرت الآن لآخذ هذه