الأرجوزة من فيه، وأضيف إليها من محاسنه ما تقرّ عين مواليه، واسأله إحضار ديوانه لأطالعه وأستزيد منه. فشخص درستويه لا يعلم ما يسمع، ولا يدري بماذا يجيب، وكان له ابنان يزيدان عليه في التخلّف، فاستدعى الأصغر منهما وكان يكنى أبا نصر، وقال له: اسمع قول القاضي وانظر ما حاجته؛ فسأل الصبيّ القاضي عن حاجته، واستشعر السخرية في القصة، وأعاد ذكر الأرجوزة وما جرى، واختصر اللفظ وقلّل العبارة، فلم يعلم الآخر مراده فأحضرا أخاه الأكبر، وقال: القاضي يعيد على أخي ويذكر حاجته؛ فاختصر القاضي اللفظ جميعه، وذكر الأرجوزة، فقطع عليه الكلام وقال: حسبك، قد عرفت ما أراد القاضي، والتفت إلى أبيه فقال له بالفارسية: ولو يكلاه جورد، وتفسيره يطلب خرقة يعملها قلنسوة، فقال الشيخ: وكرامة وعزازة. ثم استدعى خازنه وتقدّم إليه بأن يحمل ما عنده من الخرق إلى بين يدي القاضي ليختار ما يريده. وكان درستويه هذا حسن التجمّل ظاهر المروءة. فحمل الخازن رزمتين كبيرتين فيهما خرق من أصناف الديباج والسقلاطون والحلل. ففتح القاضي واختار منها عشرين خرقة تساوي عشرين دينارا، ووضعها في كمّه وقال: الله يطيل عمر الشيخ، فإنه وولده بقيّة الفضل في بلدنا. ونهض ودرستويه يشكره.
قال أبو إسحاق: وراح القاضي إلى دار المهلبي على رسمه واجتمعنا، فقال: يا عيّار، عملت عليّ مكيدة لم تضرّني، وأعاد الحديث على سرحه، وأخرج الخرق من كمّه. فضحك المهلبي حتى فحص برجليه الأرض وضحك الحاضرون، وردّ الخرق إلى كمّه، ٧٠٥- وكان القاضي يوما بحضرة عضد الدولة، فسمع استغاثة فقال:
انظروا ما هي! فقالوا: أحد العمال يعرف بابن النّفّاط قد جرت له قصة أو معه.
فعجب الملك من اللقب الذي نسب هذا الرجل إليه، وكيف هو راض بأن يكتب نسبه في رقاعه وحسابه وكتبه. فقال القاضي: أطال الله بقاء مولانا، لقب تعريف. فقال عضد الدولة: يا قاضي، ما معنى لقب تعريف؟ فقال القاضي: