للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعمالنا بالحق عاملة، فلم نمنع فرحة عاجلة؟

اعترض عليه في ذلك فقيل: أخطأ في وجوه أحدها أنّ الإدمان إفراط، والإفراط مذموم، والآخر أنه جهل أنّ أمن السّبل وعدل السيرة وعمارة الدنيا والعمل بالحقّ متى لم يوكل به الطّرف الساهر ولم يحظ بالعناية التامة، ولم يحفظ بالاهتمام الجالب لدوام النظر، دبّ إليها النقص، والنقص مزيل للأصل، مزعزع للدعامة، والآخر أنّ الزمان أعزّ من أن يبذل كله للهو والتمتع، فإنّ في تكميل النفس باكتساب الرشد لها، وإبعاد الغيّ عنها ما يستوعب أضعاف العمر، فكيف إذا كان العمر قصيرا أو كان ما يدعو إليه الهوى كثيرا، والآخر أنه ذهب عليه أنّ العامة والخاصة إذا وقفت على استهتار الملك باللذات وانهماكه في طلب الشهوات ازدرته واستهانت به وحدّثت عنه بالأخلاق المذمومة، واستهانتهم للناظر في أمورهم والقيّم بشأنهم، متى تكررت على اللسان انتشرت في المحافل والتفت بها بعضهم إلى بعض، وهذه مكسرة للهيبة، وقلة الهيبة رافعة للحشمة، وارتفاع الحشمة باعث على الوثبة، والوثبة غير مأمونة من الهلكة، وما خلا الملك من طامع راصد قطّ، وليس ينبغي للملك الحازم أن يظنّ أنه لا ضدّ له ولا منازع، فقد ينجم الضد والمنازع من حيث لا يحتسب، وما أكثر خجل الواثق. وعلى الضدّ متى كان السائس ذا تحفّظ وبحث وتتبّع وحزم وإكباب على لمّ الشّعث وتقويم الأود وسدّ الخلل وتعرّف المجهول وتحقق المعلوم ودفع المنكر وبثّ المعروف، احترست منه العامة والخاصة، واستشعرت الهيبة والتزمت بينها النّصفة، وكفّت كثيرا من معاناتها ومراعاتها، فإن كان للدولة راصد للعثرة، يئس من نفوذ الحيلة فيها، لأنّ اللصّ إذا رأى مكانا حصينا، وعهد حراسا لم يحدّث نفسه بالتعرّض له، وإنما يقصد قصرا فيه ثلمة، أو بابا إليه طريق. والأعراض بالأسباب، فإذا ضعف السبب ضعف العرض، وإذا انقطع العرض انقطع السبب.

<<  <  ج: ص:  >  >>