للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشيرته فتدافعوه، فأدّى ديتين فاستوعبتا ماله، فخرج ضاربا في الأرض حتى أوغل في مفاوز اليمن. قال أبو الهيثم: فحدثني شيخان منّا ممن أدركه وسمع حديثه من فلق فيه [١] ، قال: بينا أنا ذات عشيّة في بعض تلك الأغفال [٢] أوائل الليل إذ حبا لي نشء [٣] فألبس الأفق، فهمهم وتهزّم، وأطلّت أعاليه وتلاحقت تواليه، وبرق فخطف، ورعد فرجف، وأشرفت على الهلاك، وإني مع ذلك لسخيّ بنفسي أودّ لو هلكت لأعذر، والنفس مجبولة على طلب النجاة، فملت لأقرب الجبال مني لأعتصم بلجأ منه، فلما سندت في سفحه عرض لي غار غامض، فأطمأننت إليه، فإذا نار كالمصباح تخبو تارة وتضيء أخرى، واحتفل السحاب وشري [٤] المطر، فاندفعت في الغار فأنخت في أدناه، فإذا نار في لوذ منه، فعقلت مطيتي وأخذت سيفي وولجت، لكني هجمت على شويخ [٥] يوقد نويرة وبين يديه حمار قد قيّده ونبذ له أضغاثا فقلت: عم ظلاما، فقال:

نعم ظلامك، من أنت؟ فقلت: خابط ضلال ومعتسف أغفال، فقال:

أعاف أم باغ [٦] ؟ فقلت: بل راكب خطار، وخائض غمار، تؤدي إلى بوار، فقال: إنّك لتنبىء عن شرّ، ليفرخ روعك، اجلس وخفّض عليك وتطامن، فلما اطمأننت قال: قرّب مطيّتك واحطط رحلها، واعضد لها من أغصان السّمر المتهدل على فجوة هذا الغار، ففعلت، ثم أقبلت إليه [٧] فجلست، فاستنبث [٨] رمادا إلى جانب موقده فاختفى [٩] خبزة فلطمها بيده حتى


[١] فلق: بكسر الفاء وفتحها أي شق فمه.
[٢] الأغفال: الأراضي ليس فيها أعلام.
[٣] حبا: دنا واعترض؛ والنشء: أول ما ينشأ من السحاب.
[٤] شري: عظم واشتد.
[٥] م: شيخ.
[٦] العافي: طالب الرزق؛ والباغي: المتجاوز ما يحق له.
[٧] م: عليه.
[٨] م: واستنبش.
[٩] اختفى: نبش عن الشيء حتى أظهره.

<<  <  ج: ص:  >  >>