للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها صحفته ثم مال إلى جانب من الغار فاحتمل أضغاثا من يبيس فألقاها لحماره، ثم استخرج معضدا من تحت وساده، وخرج إلى فم الغار فخطرف [١] ما استطفّ [٢] له من الشجر والسّلم فألقاه لناقتي، وجلس يحادثني ويفاكهني ويناشدني الأشعار المؤسيّة، ويصف لي صروف الأيّام وتقلّبها بالرجال، فكأنه كان في نفسي أو قد بطن أمري، فلما ظنّ أنّ خبزته قد آنت استخرجها، ثم فعل كفعله أوّل الليل، فلما صددت أتى على باقي الخبزة، ثم قام فخرج من الغار، ثم رجع فقال: قد تقطّع أقران الحفل [٣] وطحرت الريح الجفل [٤] ، ووضح الحزن من السّهل فقم فارحل، ثم قذف رحالته على حماره، وقمت فارتحلت، وخرج وخرجت [٥] أتبعه حتى دلكت الشمس أو كربت [٦] ثم أشرفنا على واد عظيم شجير، وإذا نعم ما ظننت أنّ الأرض تحمل مثله، فهبط الوادي وتصايحت الرّعاء وأقبلوا [٧] إليه من كل أوب حتى حفّوا به، وسار في بطن الوادي حتى انتهى إلى قباب متطابنة [٨] ، فمال إلى أعظمها فنزل، وتباعد الأعبد فحطّوا رحلي وقادوا مطيتي وألقوا إلي مثالا، وقال: نم ليتسبخ لغوبك [٩] فنمت آمنا مطمئنا حتى تروّيت، ثم هببت وإذا عبد موكّل بيه، فقال لي: انهض إن أردت المذهب [١٠] ، فقمت وقام معي بإداوة حتى أولجني خمرا وأدبر عني، فلما أحسّ بفراغي أقبل فحمل الإداوة وردّني إلى مثالي،


[١] خطرف: ضرب.
[٢] استطف: دنا.
[٣] الأقران: الحبال، والحفل: اجتماع الماء؛ والمعنى قد انقطع المطر.
[٤] م: وطرحت، وطحرت: فرّقت. والجفل: السحاب الذي هراق ماءه.
[٥] م: وخرجت معه.
[٦] دلكت الشمس: غربت؛ أو كربت أو كادت.
[٧] م: وأقبلت.
[٨] الطّبن: البيت؛ ولعلّ متطابنة بمعنى متقاربة أو متطامنة.
[٩] م: لتنسخ؛ ويتسبخ: تخف شدته؛ واللغوب: التعب.
[١٠] المذهب: قضاء الحاجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>