للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الليل فقال لي: بت عندي [١] وليكن فرسك معدّا عندك لا يرد. فلما كان في السحر أمر أصحابه وغلمانه ألا يرحلوا حتى تطلع الشمس، وركب في السحر وأنا وخمسة من خواصّ غلمانه معه، فسار حتى صبّح الحصن [٢] ، فرأى بابه مفتوحا ورآه جالسا مسترسلا، فقصده وسلّم عليه ونزل عنده وقال له: ما أجلسك ها هنا وحملك على أن فتحت بابك ولم تتحصّن من هذا الجيش المقبل، ولم تتنحّ عن عبد الله بن طاهر مع ما في نفسه عليك، ومع ما بلغه عنك؟ فقال له: إنّ ما قلت لم يذهب عليّ، ولكن تأمّلت أمري، وعلمت أني قد أخطأت خطيئة حملني عليها نزق الشباب وغرّة الحداثة، وأني إن هربت منه لم أفته، فباعدت البنات والحرم [٣] ، واستسلمت بنفسي وكلّ ما أملك، فإنا أهل بيت قد أسرع القتل فينا، ولي بمن مضى أسوة، فإني أثق بأنّ الرجل إذا قتلني وأخذ مالي شفى غيظه ولم يتجاوز ذلك إلى الحرم ولا له فيهنّ أرب، ولا يوجب جرمي إليه أكثر مما بذلته له؛ قال: فوالله ما اتقاه عبد الله إلا بدموعه تجري على لحيته ثم قال له: أتعرفني؟ قال: لا والله، قال: أنا عبد الله بن طاهر وقد أمّن الله روعك [٤] ، وحقن دمك، وصان حرمك، وحرس نعمتك، وعفا عن ذنبك، وما تعجّلت إليك وحدي إلا لتأمن قبل هجوم الجيش، ولئلا يخالط عفوي عنك روعة تلحقك؛ فبكى الحصنيّ وقام فقبّل رأسه، وضمّه عبد الله إليه وأدناه، ثم قال له: إما لا فلا بدّ من عتاب يا أخي، جعلني الله فداك، قلت شعرا في قومي أفخر بهم لم أطعن فيه على حسبك، ولا أدّعيت فضلا عليك، وفخرت بقتل رجل هو وإن كان من قومك فهم القوم الذين ثارك عندهم، وقد كان يسعك السكوت أو إن لم


[١] زاد في الأغاني: الليلة.
[٢] م والأغاني: الحصني.
[٣] م: الثبات والحزم.
[٤] الأغاني: روعتك.

<<  <  ج: ص:  >  >>