«٤٧٨» - قال ابن عبّاس: قدم علينا الوليد بن عتبة المدينة واليا كأن وجهه ورقة مصحف، فو الله ما ترك عانيا إلا فكّه، ولا غريما إلّا أدّى عنه، ينظر إلينا بعين أرقّ من الماء، ويكلّمنا بكلام أحلى من الجنى، ولقد شهدت منه مشهدا لو كان من معاوية لذكرته منه أبدا: تغدينا عنده فأقبل الخباز بصحفة فعثر بوسادة وندرت الصحفة من يده، فو الله ما ردّها إلا ذقنه، وصار ما فيها في حجره، ومثل الغلام ما فيه من الروح إلا ما يقيم رجله، فقام فدخل فغير ثيابه ثم أقبل تبرق أسارير وجهه، فأقبل على الخباز فقال: يا بائس ما أرانا إلا قد روّعناك، أنت وأولادك أحرار لوجه الله تعالى. فهذا هو التواضع الجميل، والبذل الحسن، والكرم المحض.
«٤٧٩» - وفد داود بن سلم [١] على حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية، فلما نزل به حطّ غلمانه رحله فقال:[من المتقارب]
ولما دفعت لأبوابهم ... ولاقيت حربا لقيت النجاحا
رأيناه يحمده المجتدون ... ويأبى على العسر إلا سماحا
ويغشون حتى ترى كلبهم ... يهاب الهرير وينسى النباحا
فأجازه بجائزة عظيمة، ثم استأذنه داود في الخروج فأذن له، فأعطاه ألف دينار، ولما أراد أن يرحل لم يعنه غلمانه ولم يقوموا إليه، فظنّ داود أن حربا ساخط عليه، فرجع إليه فأخبره بما رأى من غلمانه، فقال، سلهم لم فعلوا