للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى انتهى إلى عطن إبل مع تطفيل الشمس، وإذا خباء عظيم وقبة أدم [١] ، قال: فقلت في نفسي: ما لهذا الخباء بدّ من أهل، وما لهذه القبة بدّ من ربّ، وما لهذا العطن بدّ من إبل، فنظرت في الخباء فإذا شيخ كبير قد اختلفت ترقوتاه كأنه نسر، [قال] : فجلست خلفه، فلما وجبت الشمس إذا فارس قد أقبل لم أر فارسا قطّ أعظم منه، ولا أجسم، على فرس مشرف، ومعه أسودان يمشيان جنبيه، وإذا مائة من الإبل مع فحلها، فبرك الفحل وبركن حوله، فقال لأحد عبديه احلب فلانة ثم اسق الشيخ، فحلب في عسّ حتى ملأه ووضعه بين يدي الشيخ وتنحّى، فكرع فيه الشيخ مرة أو مرتين ثم نزع، وثرت إليه فشربته، فرجع إليه العبد فقال: يا مولاي شربه حتى أتى على آخره، ففرح بذلك وقال: احلب له فلانة، فحلبها ثم وضع العسّ بين يدي الشيخ، فكرع فيه كرعة ثم نزع، فثرت إليه فشربت نصفه وكرهت أن آتي على آخره فأتّهم، فجاء العبد وأخذه وقال لمولاه: قد شرب وروي: قال: دعه، ثم أمر بشاة فذبحت وشوى للشيخ منها، واكل هو وعبداه، فأمهلت حتى إذا ناموا وسمعت الغطيط ثرت إلى الفحل فحللت عقاله وركبته، فاندفع بي وتبعته الإبل، فمشيت [٢] ليلتي حتى الصباح، فلما أصبحت نظرت فلم أر أحدا، فشللتها إذن شلا عنيفا حتى تعالى النهار، ثم التفتّ التفاتة فإذا بشيء كأنه طائر، فما زال يدنو حتى تبيّنته، فإذا فارس على فرس، وإذا هو صاحبي بالأمس، فعقلت الفحل ونثلت كنانتي، ووقفت بينه وبين الإبل، فقال: احلل عقاله، فقلت: كلا والله، لقد خلّفت نسيّات بالحيرة وآليت أليّة ألا أرجع أو أفيدهنّ خيرا أو أموت، قال: فإنك ميت، حلّ عقاله لا أمّ لك، قلت: هو ما قلت لك، قال: إنك لمغرور انصب لي خطامه وانصب [٣]


[١] م والأغاني: من أدم.
[٢] م: فهمشت.
[٣] الأغاني: واجعل فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>