«٣١» - ولما حمل رأس مروان بن محمد إلى السفّاح وهو بالكوفة جلس مجلسا عامّا، وجاءوا بالرأس فوضع بين يديه، فقال لمن حضره: أفيكم من يعرف هذا الرأس؟ فقام سعيد بن عمرو بن جعد بن هبيرة فأكبّ عليه فتأمّله مليّا ثم قال: نعم هذا رأس أبي عبد الملك خليفتنا بالأمس رحمه الله، وعاد إلى مجلسه فقعد. ووثب أبو العباس فطعن في حجزته، وانصرف ابن جعدة إلى منزله، وتحدّث الناس بكلامه، فلامه بنوه وأهله وقالوا: عرّضتنا ونفسك للبوار فقال:
اسكتوا، قبّحكم الله، ألستم الذين أشرتم عليّ بالأمس بحرّان بالتخلّف عن مروان ففعلت في ذلك غير فعل أهل الوفاء والشكر؟ وما كان ليغسل عني عار تلك الفعلة إلّا هذه، وإنما أنا شيخ هامة اليوم أو غد، فإن نجوت يومي هذا من القتل متّ غدا. فجعل بنوه وأهله يتوقعون رسل السفاح أن تطرقه في جوف الليل، وغدا الشيخ فإذا هو بسليمان بن مجالد، فلما بصر به قال: ألا أسرّك يا ابن جعدة بجميل رأي أمير المؤمنين فيك؟ إنه ذكر في هذه الليلة ما كان منك فقال:
أما والله ما أخرج ذلك الكلام من الشيخ إلّا الوفاء، ولهو أقرب بنا قرابة وأمس بنا رحما منه بمروان إن أحسنّا إليه، قال: أجل والله.
«٣٢» - وسأل المنصور بعض بطانة هشام عن تدبيره في بعض حروبه مع الخوارج فقال: فعل كذا وصنع كذا رحمه الله، فقال المنصور: قم عليك لعنة الله، تطأ بساطي وتترحّم على عدوي؟! فقام الرجل وهو يقول: والله إنّ نعمة عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلّا غاسلي، فقال المنصور: ارجع يا شيخ فإني أشهد أنك نهيض حرّة وغراس شريف، ودعا له بمال فأخذه وقال: لولا جلالة عزّ أمير المؤمنين وامتطاء طاعته ما لبست بعده لأحد نعمة، فقال له المنصور: