الحمد لله الذي صور بكمال فضله وجوده وجود الإنسان الخ وبعد فإن كتاب الكشاف كتاب على القدر رفيع الشان لم ير مثله في تصانيف الأولين ولم يرو شبيهه في تأليف الآخرين اتفقت على متانة تراكيبه الرشيقة كلمة المهرة المتقنين واجتمعت على رصانة أساليبه الأنيقة السنة الكملة المفلقين ما قصر في تنقيح قوانين التفسير وتهذيب براهينه وتمهيد قواعده وتشييد معاقده وكل كتاب بعده في التفسير ولو فرض أنه لا يخلو عن النقير والقطمير اذا قيس به لا تكون له تلك الطلاوة ولا تجد فيه شيئاً من تلك الحلاوة على أن مؤلفه يقتفى أثره ويسأل خبره وقلما غير تركيباً من تراكيبه إلا وقع في الخطأ والخطل وسقط في مزالق الخبط والزلل ومع ذلك كله إذا فتشت عن حقيقة الخبر فلا عين منه ولا أثر ولذلك قد تداولته أيدي النظار فاشتهر في الأقطار كالشمس في وسط النهار إلا أنه لأخطائه سلوك طريق الأدب وإغفاله للأجمال في الطلب أدركته حرفة الأدب ولفرط تصلبه في باطل الاعتزال وأخلا له بإجلال أرباب الكمال أصابته عين الكمال فالتزم في كتابه أموراً أدهشت رونقه وماءه وأبطلت منظره ورواه فتكدرت مشارعه الصافية وتضيقت موارده الضافية وتنزلت رتبته العالية. منها انه كلما شرع في تفسير آية من الآي القرآنية مضمونها لا يساعد هواه ومدلولها لا يطاوع مشتهاه صرفها عن ظاهرها بتكلفات باردة وتعسفات جامدة وصرف الآية بلا نكتة من غير ضرورة عن الظاهر تحريف لكلام الله ﷾ وليته يكتفي بقدر الضرورة بل يبالغ في الإطناب والتكثير لئلا يوهم بالعجز والتقصير فتراه مشحوناً بالاعتزالات الظاهرة التي تتبادر إلى الإفهام والخفية التي لا يتسارع إليها الأوهام بل لا يهتدي إلى حبائله إلا وارد بعد وارد من الأذكياء الحذاق ولا يتنبه لمكائده إلا واحد من فضلاء الآفاق وهذه آفة عظيمة ومصيبة جسيمة. ومنها أنه يطعن في أولياء الله المرتضين من عباده ويغفل عن هذا الصنع لفرط عناده ونعم ما قال الرازي في تفسير قوله تعالى يحبهم ويحبونه (١) خاض صاحب الكشاف في هذا المقام فى الطعن في أولياء الله تعالى وكتب منها [ههنا] ما لا يليق بالعاقل أن يكتب مثله في كتب الفحش فهب أنه اجترأ على الطعن في أولياء الله تعالى فكيف اجتراؤه [اجترأ] على كتبه ذلك الكلام الفاحش في تفسير كلام الله المجيد. ومنها أنه كشفه بإظهار الفضائل والكمالات قائداً زمامه وساوس الأوهام والخيالات وأن يعرف طبقات الآفاق أنه مع تبحره في جميع العلوم على الإطلاق موصوف بلطائف