للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الامتلاء (١) بخلاف اللذة الروحانية فإنها ألذ وأشهى (٢) من اللذائذ الجسمانية ولهذا كان الإمام الثاني محمد بن الحسن الشيباني يقول عند ما انحلت له مشكلات العلوم: أين أبناء الملوك من هذه اللذة.

سيما إذا كانت الفكرة في حقائق الملكوت وأسرار اللاهوت.

ومن لذته التابعة لعزته أنه لا يقبل العزل والنصب ومع دوامه لا مزاحمة فيه لأحد لأن المعلومات متسعة مزيدة بكثرة الشركاء ومع هذا لا ترى أحداً من الولاة الجهال إلا يتمنون [يتمنى] أن يكون عزهم [عزه] كعز أهل العلم إلا أن الموانع البهيمية تمنع عن نيله.

وأما اللذائذ الحاصلة لغيره إما في الأخرى فلكونه وسيلة إلى أعظم اللذائذ الأخروية والسعادة الأبدية وإما في الدنيا فالعز والوقار ونفوذ الحكم على الملوك ولزوم الاحترام في الطباع فإنك ترى أغبياء الترك وأجلاف العرب يصادفون طباعهم مجبولة على التوقير لشيوخهم لاختصاصهم بمزيد علم مستفاد من التجربة بل البهيمة تجدها توقر الإنسان بطبعها لشعورها بتميز الإنسان بكمال مجاوز لدرجتها حتى أنها تنزجر بزجره وإن كانت قوتها أضعاف قوة الإنسان.

التعليم الثاني: في نفعه واعلم أن السعادة منحصرة في قسمين جلب المنافع ودفع المضار وكل منهما دنيوي وديني فالأقسام أربعة.

الأول وهو ما ينجلب بالعلم من المنافع الدينية وهو حقي وخلقي أشار إلى نفعه الأول قوله في الحديث السابق: فإن تعلمه لله خشية الخ وإلى نفعه الثاني قوله : وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة.

الثاني وهو ما ينجلب بالعلم من المنافع الدنيوية وهو وجداني وذوقي وجاهي رتبي. والوجداني إما راحة أو استيلاء والراحة إما من مشقة وجود ظاهر للنفس أو من فقد سار لها بالأنس (*) وكل منهما إما خارجي وإما ذاتي فالراحة أربعة أقسام. وقوله :

وهو الأنيس في الوحشة إشارة إلى الأول لأنه يريح بأنسه من كل قلق واضطراب. وقوله : والصاحب في الغربة إشارة إلى الثاني لأنه يقر من الغريب عينه ويريحه من كمود النفس من الحزن وانكسارها لفقد سرور الأهل والوطن.

وقوله : والمحدث في الخلوة إشارة إلى الثالث لأن العلم يريح المنفرد عن الناس بتحديثه من انقباض الفهم وخموده وهو ألم ذاتي لأهل الكمال وهذا هو السر في استلذاذ المسامرة


(١) اى امتلاء اوعية المنى (منه).
(٢) ولبعض الحكماء تصنيف في تحقيق هذا المبحث (منه).
(*) لعل الصحيح: «اما من فقد مشقة ضارة للنفس او من وجود سار لها بالانس».