فلما رأيت هذا العرق من الحماقة نابضاً على هؤلاء الأغبياء ابتدأت [انتدبت] لتحرير هذا الكتاب رداً على الفلاسفة القدماء مبيناً تهافت عقيدتهم وتناقض كلمتهم فيما يتعلق بالإلهيات وكاشفاً عن غوائل مذهبهم وعوراته التي هي على التحقيق مضاحك العقلاء [وعبرة عند الأذكياء] أعني ما اختصوا به عن الجماهير [والدهماء] من فنون العقائد [والآراء. هذا] مع حكاية مذهبهم على وجهه.
ثم صدر الكتاب بمقدمات أربع. ذكر في الأولى أن الخوض في حكاية اختلاف الفلاسفة تطويل فإن خبطهم طويل ونزاعهم كثير وأنه يقتصر على إظهار التناقض في رأى مقدمهم الذي هو المعلم الأول والفيلسوف المطلق فإنه رتب علومهم وهذبها وهو أرسطاطاليس وقد رد على كل من قبله حتى على أستاذه افلاطن فلا إيقان [إتقان] لمذهبهم بل يحكمون بظن وتخمين ويستدلون على صدق علومهم الإلهية بظهور العلوم الحسابية والمنطقية متقنة البراهين ويستدرجون ضعفاء العقول ولو كانت علومهم الإلهية متقنة البراهين لما اختلفوا فيها كما لم يختلفوا في الحسابية. ثم المترجمون لكلام أرسطو لم ينفك كلامهم عن تحريف وتبديل وأقومهم بالنقل من المتفلسفة الإسلامية أبو نصر الفارابي وابن سينا وأنه يقتصر على إبطال ما اختاروه ورأوه الصحيح من مذهب رؤسائهم وعلى رد مذاهبهم بحسب نقل هذين الرجلين كيلا ينتشر الكلام.
وذكر في الثانية أن الخلاف بينهم وبين غيرهم ثلاثة أقسام. الأول يرجع النزاع فيه إلى لفظ مجرد كتسميتهم صانع العالم جوهراً مع تفسيرهم الجوهر (١) بأنه الموجود لا في موضوع ولم يريدوا به الجوهر المتحيز قال ولسنا نخوض في إبطال هذا لأن معنى القيام بالنفس إذا صار متفقاً عليه رجع الكلام في التعبير باسم الجوهر عن هذا المعنى إلى البحث عن اللغة وإن سوغ إطلاقه رجع جواز إطلاقه في الشرع إلى المباحث الفقهية. الثاني ما لا يصدم مذهبهم فيه أصلاً من أصول الدين وليس من ضرورة تصديق الأنبياء والرسل منازعتهم فيه كقولهم أن كسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوء القمر بتوسط الأرض بينه وبين الشمس والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب وأن كسوف الشمس وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة. قال وهذا المعنى أيضاً لسنا نخوض في إبطاله إذ لا يتعلق به غرض ومن ظن أن المناظرة