فيه من الدين فقد جنى على الدين وضعف أمره فإن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية لا تبقى معها ريبة فمن يطلع عليها ويتحقق أدلتها حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوفين وقدرهما ومدة بقائهما إلى الانجلاء إذا قيل له أن هذا على خلاف الشرع لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع وضرر الشرع ممن ينصره لا بطريقة أكثر من ضرره ممن يطعن فيه بطريقة وهو كما قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل وليس في الشرع ما يناقض ما قالوه ولو كان لكان تأويله أهون من مكابرة أمور قطعية فكم من ظواهر أولت بالأدلة القطعية التي لا تنتهي في الوضوح إلى هذا الحد وأعظم ما يفرح به الملحدة أن يصرح ناصر الشرع بأن هذا وأمثاله على خلاف الشرع فيسهل عليه طريق إبطال الشرع. وهذا لأن البحث في العالم عن كونه حادثاً أو قديماً ثم إذا ثبت حدوثه فسواء كان كرة أو بسيطاً أو مثمناً وسواء كانت السماوات وما تحتها ثلث عشرة طبقة كما قالوه أو أقل أو أكثر فالمقصود كونه من فعل الله ﷾ فقط كيف ما كان. الثالث ما يتعلق النزاع فيه بأصل من أصول الدين كالقول في حدوث العالم وصفات الصانع وبيان حشر الأجساد وقد أنكروا جميع ذلك فينبغي أن يظهر فساد مذهبهم.
وذكر في الثالثة أن مقصوده تنبيه من حسن اعتقاده في الفلاسفة وظن أن مسالكهم نقية عن التناقض ببيان وجوه تهافتهم فلذلك لا يدخل في الاعتراض عليهم إلا دخول مطالب منكر لا دخول مدع مثبت فيكدر عليهم ما اعتقدوه مقطوعاً بإلزامات مختلفة وربما ألزمهم بمذاهب الفرق.
وذكر في الرابعة أن من عظم حيلهم في الاستدراج إذا أورد عليهم إشكال قولهم أن العلوم الإلهية غامضة خفية لا يتوصل إلى معرفة الجواب عن هذه الإشكالات إلا بتقديم الرياضيات والمنطقيات فمن يقلدهم إن خطر له إشكال يحسن الظن بهم ويقول إنما يعسر على درك علومهم لأني لم أحصل الرياضيات ولم أحكم المنطقيات قال أما الرياضيات فلا تعلق للإلهيات بها وأما الهندسيات فلا يحتاج إليها في الإلهيات نعم قولهم أن المنطقيات لا بد من إحكامها فهو صحيح ولكن المنطق ليس مخصوصا بهم وإنما هو الأصل الذي نسميه في فن الكلام كتاب النظر فغيروا عبارته الى المنطق تهويلا وقد نسميه كتاب الجدل وقد نسميه مدارك العقول فإذا سمع المتكايس اسم المنطق ظن أنه فن غريب لا يعرفه المتكلمون ولا يطلع عليه إلا الفلاسفة.