وأجيب وبعض الشراح والمحشى أو بعض الشروح والحواشي ونحو ذلك من غير تعيين كما هو دأب الفضلاء من المتأخرين فانهم تأنقوا في أسلوب التحرير وتأدبوا في الرد والاعتراض على المتقدمين بأمثال ما ذكر تنزيهاً لهم عما يفسد اعتقاد المبتدئين فيهم وتعظيماً لحقهم وربما حملوا هفواتهم على الغلط من الناسخين لا من الراسخين وإن لم يمكن ذلك قالوا لأنهم لفرط اهتمامهم بالمباحثة والإفادة لم يفرغوا لتكرير النظر والإعادة وأجابوا عن لمز بعضهم بأن ألفاظ كذا وكذا ألفاظ فلان بعبارته بقولهم إنا لا نعرف كتاباً ليس فيه ذلك فإن تصانيف المتأخرين بل المتقدمين لا تخلو عن مثل ذلك لا لعدم الاقتدار على التغيير بل حذراً عن تضييع الزمان فيه وعن مثالبهم بأنهم عزوا إلى أنفسهم ما ليس لهم بأنه إن اتفق فهو من توارد الخواطر كما في تعاقب الحوافر على الحوافر.
الترشيح الثالث في أقسام المصنفين وأحوالهم. اعلم أن المؤلفين المعتبرة تصانيفهم فريقان:
الأول من له في العلم ملكة تامة ودربة كافية وتجارب وثيقة وحدس صائب وفهم ثاقب فتصانيفهم عن قوة تبصرة ونفاذ فكر وسداد رأي كالنصير والعضد والسيد والسعد والجلال وأمثالهم فإن كلاً منهم يجمع إلى تحرير المعاني تهذيب الألفاظ وهؤلاء أحسنوا إلى الناس كما أحسن الله ﷾ إليهم وهذه لا يستغني عنها أحد.
والثاني من له ذهن ثاقب وعبارة طلقة طالع الكتب فاستخرج دررها وأحسن نظمها وهذه ينتفع بها المبتدؤن والمتوسطون ومنهم من جمع وصنف للاستفادة لا للإفادة فلا حجر عليه بل يرغب إليه إذا تأهل فإن العلماء قالوا ينبغي للطالب أن يشتغل بالتخريج والتصنيف فيما فهمه منه إذا احتاج الناس إليه بتوضيح عبارته غير مائل عن المصطلح مبيناً مشكله مظهراً ملتبسه كي يكتسبه جميل الذكر وتخليده إلى آخر الدهر فينبغي أن يفرغ قلبه لأجله إذا شرع ويصرف إليه كل شغله قبل أن يمنعه مانع عن نيل ذلك الشرف ثم إذا تم لا يخرج ما صنفه إلى الناس ولا يدعه عن يده إلا بعد تهذيبه وتنقيحه وتحريره وإعادة مطالعته فإنه قد قيل الإنسان في فسحة من عقله وفي سلامة من أفواه جنسه ما لم يضع كتاباً أو لم يقل شعراً وقد قيل من صنف كتاباً فقد استشرف للمدح والذم فإن أحسن فقد استهدف من الحسد والغيبة وإن أساء فقد تعرض للشتم والقذف.
قالت الحكماء من أراد أن يصنف كتاباً أو يقول شعراً فلا يدعوه العجب به وبنفسه إلى أن ينتحله ولكن يعرضه على