فإن ذلك يزيد طالبها تمكناً في ملكته وأما العلوم الآلية فلا ينبغي أن ينظر فيها إلا من حيث هي آلة للغير ولا يوسع فيها الكلام لأن ذلك يخرج بها عن المقصود وصار الاشتغال بها لغواً مع ما فيه من صعوبة الحصول على ملكتها بطولها وكثرة فروعها وربما يكون ذلك عائقاً عن تحصيل العلوم المقصودة بالذات لطول وسائلها فيكون الاشتغال بهذه العلوم الآلية تضييعاً للعمر وشغلاً بما لا يعني وهذا كما فعله المتأخرون في النحو والمنطق وأصول الفقه لأنهم أوسعوا دائرة الكلام فيها نقلاً واستدلالاً وأكثروا من التفاريع والمسائل بما أخرجها عن كونها آلة وصيرها مقصودة بذاتها فيكون لأجل ذلك لغواً ومضراً بالمتعلمين لاهتمامهم بالمقصود أكثر من هذه الآلات [لاهتمامهم بهذه الآلات أكثر من المقصود] فإذا أفنى العمر فمتى يظفر بالمقاصد فيجب عليه أن لا يستبحر فيها ولا يستكثر من مسائلها.
المنظر الثامن: في شروط الإفادة ونشر العلم وفيه فتوحات أيضاً.
فتح: اعلم أن الإفادة من أفضل العبادة فلا بد له من النية ليكون ابتغاء لمرضاة الله تعالى وإرشاد عباده [وإرشاداً لعباده] ولا يريد بذلك زيادة جاه وحرمة ولا يطلب على إفاضته أجراً اقتداء بصاحب الشرع ﵇. ثم ينبغي له مراعاة أمور منها أن يكون مشفقاً ناصحاً على أصحابه [على المتعلم] وأن ينبهه على غاية العلوم ويزجره عن الأخلاق الردية ويمنعه أن يتشوق إلى رتبة فوق استحقاقه وأن يتصدى للاشتغال فوق طاقته وأن لا يزجر إذا تعلم للرياسة والمباهاة إذ ربما يتنبه بالآخرة لحقائق الأمور بل ينبغي أن يرغب في نوع من العلم يستفاد به الرياسة بالأطماع فيها حتى يستدرجه إلى الحق اعلم أن الله ﷾ جعل الرياسة وحسن الذكر حفظاً للشرع والعلم مثل الحب الملقى حول الشبكة وكالشهوة الداعية إلى التناسل ولهذا قيل لولا الرياسة لبطل العلم وأن يزجر عما يجب الزجر عنه بالتعريض لا بالتصريح.
فتح: ومنها أن يبدأ بما يهم للمتعلم في الحال إما في معاشه أو في معاده ويعين له ما يليق بطبعه من العلوم ويراعي الترتيب الأحسن حسبما يقتضيه رتبتها على قدر الاستعداد فمن بلغ رشده في العلم ينبغي أن يبث إليه حقائق العلوم وإلا فحفظ العلم وإمساكه عمن لا يكون إهلاله أولى به فمن منح الجهال علماً أضاعه*ومن منع المستوجبين فقد ظلم فإن بث المعارف إلى غير أهلها مذموم وفي الحديث لا تطرحوا الدرر في أفواه الكلاب وكذا ينبغي أن يجتنب إسماع العوام كلمات الصوفية التي يعجزون عن تطبيقها بالشرع فإنه يؤدي إلى انحلال قيد الشرع عنهم فيفتح عليهم باب الإلحاد والزندقة فينبغي