للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتعالى به من النطق وقبول تعلم الآداب والعلوم أن يهمل نفسه ويعريها من الفضائل وقد حث الشارع على اكتسابه حيث قال طلب العلم فريضة وقال (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) اطلبوا العلم ولو بالصين.

فتح: واعلم أن الإنسان مطبوع على التعلم لأن فكره هو سبب امتيازه عن سائر الحيوانات ولما كان فكره راغباً بالطبع في تحصيل ما ليس عنده من الإدراكات لزمه الرجوع إلى من سبقه بعلم فيلقن ما عنده ثم أن فكره يتوجه إلى واحد من الحقائق وينظر ما يعرض له لذاته واحد بعد واحد ويتمرن عليه حتى يصير إلحاق العوارض بتلك الحقيقة ملكة له فيكون علمه حينئذ بما يعرض لتلك الحقيقة علماً مخصوصاً ويتشوق نفوس أهل القرن الناشئ إلى تحصيله فيفزعون (١) إلى أهله.

فتح: وكل تعليم وتعلم ذهني إنما يكون بعلم سابق في معلوم ما من عالم لمن ليس بعالم وقد يكون بالطبع مستفاداً من وقائع الزمان بتردد الأذهان ويسمى علماً تجريبياً وقد يكون بالبحث وإعمال الفكر ويسمى علماً قياسياً والعلم محصور في التصور والتصديق والتصور يطلب بالأقوال الشارحة والتصديق يكون عن مقدمات في صور القياسات للنتائج فقد يحصل به اليقين وقد لا يحصل إلا إقناع وقدموا في التعليم ما هو أقرب تناولاً ليكون سلماً لغيره وجرت سنة القدماء في التعليم مشافهة دون كتاب لئلا يصل علم إلى غير مستحقه ولكثرة المشتغلين بها فلما ضعفت الهمم أخذوا في تدوين العلوم وضنوا ببعضها فاستعملوا الرمز واختصروا من الدلالات على الالتزام فمن عرف مقاصدهم حصل على أغراضهم.

فتح: واعلم أن جميع المعلومات إنما تعرف بالدلالة عليها بأحد الأمور الثلاثة الإشارة واللفظ والخط والإشارة تتوقف على المشاهدة واللفظ يتوقف على حضور المخاطب وسماعه وأما الخط فلا يتوقف على شيء فهو أعمها نفعاً وأشرفها وهو خاصة النوع الإنساني فعلى المتعلم أن يجوده ولو بنوع منه ولا شك أنه بالخط والقراءة ظهرت خاصة النوع الإنساني من القوة إلى الفعل وامتاز عن سائر الحيوان وضبطت الأموال وحفظت العلوم والكمال وانتقلت الأخبار من زمان إلى زمان فجبلت غرائز القوابل على قبول الكتابة والقراءة لكن السعي لتحصيل الملكة وهو موقوف على الأخذ والتعلم والتمرن والتدرب.

فتح: واعلم أن العلم والنظر وجودهما بالقوة في الإنسان فيفيد صاحبها عقلاً لأن النفس الناطقة وخروجها من القوة


(١) تصحيف ١.٢٢١.٣ فيغرمون. F