إلى الفعل إنما هو بتجدد العلوم والإدراكات من المحسوسات أولاً ثم ما [بما] يكتسب بالقوة النظرية إلى أن يصير إدراكاً بالفعل وعقلاً محضاً فيكون ذاتاً روحانية ويستكمل حينئذ وجودها فثبت أن كل نوع من العلوم والنظر يفيدها عقلاً مزيداً وكذا الملكات الصناعية تفيد عقلاً والكتابة من بين الصنائع أكثر إفادة لذلك لأنها تشتمل على علوم وأنظار إذ فيها انتقال من صور الحروف الخطية إلى الكلمات اللفظية ومنها إلى المعاني فهو ينتقل من دليل إلى دليل ويتعود النفس ذلك دائماً فتحصل لها ملكة الانتقال من الأدلة إلى المدلول وهو معنى النظر العقلي الذي يكسب به العلوم المجهولة فيحصل بذلك زيادة عقل ومزيد فطنة وهذا هو ثمرة التعلم في الدنيا.
فتح: ثم إن المقصود من العلم والتعليم والتعلم معرفة الله ﷾ وهي غاية الغايات ورأس أنواع السعادات ويعبر عنها بعلم اليقين الذي يخصه الصوفية أولوا الكرامات وهو الكمال المطلوب من العلم الثابت بالأدلة وإياك أيها المتعلم أن يكون شغلك من العلم أن تجعله صنعة غلبت على قلبك حتى قضيت بحبك بتكراره عند النزع كما يحكى أن أبا طاهر الزيادي كان يكرر مسألة ضمان الدرك حالة نزعة بل ينبغي لك أن تتخذه سبيلاً إلى النجاة.
ذكر إحراق الكتب وإعدامها: ومن أجل ذلك نقل عن بعض المشايخ أنهم أحرقوا كتبهم. منهم العارف بالله ﷾ أحمد بن أبي الحواري فإنه كما ذكره أبو نعيم في الحلية أنه لما فرغ من التعلم جلس للناس فخطر بقلبه يوماً خاطر من قبل الحق فحمل كتبه إلى شط الفرات فجلس يبكي ساعة ثم قال نعم الدليل كنت لي على ربي ولكن لما ظفرت بالمدلول الاشتغال بالدليل محال فغسل كتبه وذكر ابن الملقن في ترجمته من طبقات الأولياء ما نصه وقد روى نحو هذا عن سفيان الثوري أنه أوصى بدفن كتبه وكان ندم على أشياء كتبها عن الضعفاء وقال ابن عساكر في الكنى من التاريخ أن أبا عمرو بن العلا كان أعلم الناس بالقرآن والعربية وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ثم تنسك وأحرقها.
فائدة: ذكرها البقاعي في حاشيته على شرح الألفية للزين العراقي وهي أنه قال سألت شيخنا يعني ابن حجر العسقلاني عما فعل داود الطائي وأمثاله من إعدام كتبهم ما سببه فقال لم يكونوا يرون أنه يجوز لأحد روايتها لا بالإجازة ولا بالوجادة بل يرون أنه إذا رواها أحد بالوجادة يضعف فرأوا أن مفسدة إتلافها أخف من مفسدة تضعيف بسببهم انتهى.