للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: وجوابه بالنظر إلى فن الحديث وهو لا يقع جواباً عن إعدام ابن أبي الحواري وأمثاله لأن الأول بسبب ضعف الإسناد والثاني بسبب الزهد والتبتل إلى الله ﷾ ولعل الجواب عن إعدامهم أنه إن أخرجه عن ملكه بالهبة والبيع ونحوه لا تنحسم مادة العلاقة القلبية بالكلية ولا يأمن من أن يخطر بباله الرجوع إليه ويختلج في صدره النظر والمطالعة في وقت ما وذلك مشغلة بما سوى الله ﷾.

تذنيب: في طريق النظر والتصفية واعلم أن السعادة الأبدية لا تتم إلا بالعلم والعمل ولا يعتد بواحد منهما بدون الآخر وإن كلا منهما ثمرة الآخر مثلاً إذا تمهر الرجل في العلم لا مندوحة له عن العمل بموجبه إذ لو قصر فيه لم يكن في علمه كمال وإذا باشر الرجل العمل وجاهد فيه وارتاض حسبما بينوه من الشرائط تنصب على قلبه العلوم النظرية بكمالها فهاتان طريقتان:

الأولى منهما طريقة الاستدلال والثانية طريقة المشاهدة وقد ينتهي كل من الطريقتين إلى الأخرى فيكون صاحبه مجمعاً للبحرين فسالك طريق الحق نوعان.

أحدهما يبتدئ من طريق العلم إلى العرفان وهو يشبه أن يكون طريقة الخليل ﵊ حيث ابتدأ من الاستدلال.

والثاني يبتدئ من الغيب ثم ينكشف له عالم الشهادة وهو طريق الحبيب حيث ابتدأ بشرح الصدر وكشف له سبحات وجهه.

مناظرة أهل الطريقين:

اعلم أن السالكين اختلفوا في تفضيل الطريقين قال أرباب النظر الأفضل طريق النظر لأن طريق التصفية صعب والواصل قليل على أنه قد يفسد المزاج ويختلط العقل في أثناء المجاهدة وقال أهل التصفية العلوم الحاصلة بالنظر لا تصفو عن شوب الوهم ومخالطة الخيال غالباً ولهذا كثيراً ما يقيسون الغائب على الشاهد فيضلون وأيضاً لا يتخلصون في المناظرة عن اتباع الهوى بخلاف التصوف فإنه تصفية للروح وتطهير للقلب عن الوهم والخيال فلا يبقى إلا الانتظار للفيض من العلوم الإلهية وأما صعوبة المسلك وبعده فلا يقدح في صحة العلم مع أنه يسير على من يسره الله ﷾ وأما اختلال المزاج فإن وقع فيقبل العلاج ومثلوا بطائفتين تنازعتا في المباهاة والافتخار بصنعة النقش والتصوير حتى أدى الافتخار إلى الاختبار فعين لكل منهما جدار بينهما حجاب فتكلف احديهما في صنعتهم واشتغل الأخرى بالتصقيل فلما ارتفع الحجاب ظهر تلألؤ الجدار مع جميع نقوش المقابل وقالوا هذه أمثال العلوم النظرية والكشفية فالأول يحصل من طريق الحواس بالكد والعناء والثاني يحصل من اللوح المحفوظ والملأ الأعلى.