للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلوم كأنها [١] مضمنة [٢] في تلك الغريزة بالفطرة، ولكن تظهر إلى الوجود إذا جرى سبب يخرجها إلى الوجود حتى كأنّ هذه العلوم ليست شيئا واردا عليها من الخارج [٣] ، وكأنها كانت مستكنّة فيها فظهرت. ومثاله الماء في الأرض، فإنه يظهر بحفر القنيّ ويجتمع ويتميّز للحسّ لا بأن يساق إليها شيء جديد، وكذلك الدهن في اللوز وماء الورد، ولذلك قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)

(الأعراف:

١٧٢) فالمراد به إقرار نفوسهم [٤] لا إقرار الألسنة، فإنهم انقسموا في إقرار الألسنة حيث وجدت الألسنة والأشخاص، ولذلك قال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)

(الزخرف: ٨٧) معناه إن اعتبرت أحوالهم شهدت بذلك نفوسهم وبواطنهم (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها)

(الروم: ٣٠) أي كلّ آدميّ فطر على الإيمان بالله بل على معرفة الأشياء على ما هي عليه، أعني أنها كالمضمّنة فيها لقرب استعدادها للإدراك. ثم لما كان الإيمان مركوزا في النفوس بالفطرة انقسم الناس إلى من أعرض فنسي، وهم الكفّار، وإلى من أجال خاطره فتذكّر فكان كمن حمل شهادة فنسيها بغفلة ثم تذكّرها. لذلك قال تعالى:

(لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)

(البقرة: ٢٢١) [٥] (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ)

(ص: ٢٩) (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ)

(المائدة: ٧) (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)

(القمر: ١٧) ؛ وتسمية هذا النمط تذكرا ليس ببعيد، وكأنّ التذكر ضربان أحدهما: أن تذكر صورة كانت حاضرة الوجود في القلب لكن غابت بعد الوجود، والآخر أن يكون عن صورة كانت


[١] م: كلها.
[٢] ح: مصمتة.
[٣] ح: من خارج.
[٤] ح: إقرار نفسه.
[٥] ترد في عدة سور.

<<  <  ج: ص:  >  >>