للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمدينة خلق من قريش إلّا وافى الخليفة، إلّا من لا يصلح لشيء. فماتت بنت الحسين، فأرسلت عائشة إلى محمد بن عمرو بن حزم، وهو وإلى المدينة، وكان عفيفا حديدا كبير اللحية، له جارية موكّلة بلحيته إذا ائتزر لا يأتزر عليها؛ وكان إذا جلس للناس جمعها ثم أدخلها تحت فخذه- فأرسلت عائشة: يا أخي قد ترى ما دخل عليّ من المصيبة بابنتي، وغيبة أهلي وأهلها، وأنت الوالي. فأما ما يكفي النساء من النساء فأنا أكفيكه بيدي وعيني، وأما ما يكفي الرجال من الرجال فاكفنيه: مر بالأسواق أن ترفع، ومر بتجريد من يحمل [١] نعشها، ولا يحمل نعشها إلا الفقهاء والألبّاء [٢] من قريش، بالوقار والسكينة، وقم على قبرها ولا يدخله إلّا قرابتها من ذوي الحجى والفضل. فأتى ابن حزم رسولها حين تغدّى ودخل ليقيل، فقال ابن حزم لرسولها: أبلغ ابنة المظلوم [٣] وأخبرها أني قد سمعت الواعية، وأردت الركوب إليها، فأمسكت عن الركوب حتى أبرد ثم أصلّي وأنفّذ كلّ ما أمرت به. وأمر حاجبه وصاحب شرطته برفع الأسواق، ودعا بحرس [٤] فقال: خذوا السياط حتى تحولوا بين الناس وبين النعش، إلا ذوي قرابتها، بالسكينة والوقار. ثم نام وانتبه فأسرج له، واجتمع كلّ من كان بالمدينة، وأتى باب عائشة حين أخرج النعش، فلما رأى الناس النعش التقفوه، فلم يملك ابن حزم ولا الحرس منه شيئا، وجعل ابن حزم يركض خلف النعش ويصيح بالناس من السّفلة والغوغاء [٥] ، فلم يسمعوا حتى بلغ النعش القبر، فصلّى عليها، ثم وقف فنادى من ها هنا من قريش؟ فلم يحضره إلّا مروان بن أبان بن عثمان، وكان رجلا عظيم البطن نأنأ [٦] لا يستطيع أن يثني من بطنه، سخيف


[١] الأغاني: بتجويد عمل (وما هنا أدق) .
[٢] ح: الأولياء.
[٣] الأغاني: اقرىء ابنة المظلوم السلام.
[٤] الأغاني: ودعا الحرس.
[٥] زاد في الأغاني: اربعوا أي ارفقوا.
[٦] نأنأ أو نأناء: عاجز جبان ضعيف؛ وفي الأغاني: بادنا وفي بعض أصوله فأفاء (وكذلك ح) .

<<  <  ج: ص:  >  >>