للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقل، فطلع وعليه سبعة قمص كأنها درج بعضها أقصر من بعض، ورداء [١] ثمّن بألفي درهم، فقال له ابن حزم: أنت لعمري قريبها، ولكنّ القبر لا يسعك، فقال: أصلح الله الأمير، إنما تضيق الأخلاق، فقال ابن حزم: إنّا لله، ما ظننت هذا هكذا كما أرى، فأمر له أربعة فأخذوا بضبعه حتى أدخلوه القبر، ثم أتى خرا الزنج، وهو عثمان بن عمرو بن عثمان، فقال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، ثم قال: واسيدتاه، وابنت أختاه، فقال ابن حزم: إنّا لله، قد كان بلغني عن هذا أنه مخنّث، ولم أكن أدري أنه بلغ هذا كلّه، دلّوه فإنه عورة، هو والله أحقّ بالدفن منها. فلما أدخلا قال مروان لخرا الزنج: تنحّ إليك شيئا، فقال له خرا الزنج: الحمد لله ربّ العالمين جاء كلب الوحشيّ يطرد كلب [٢] الإنسي، فقال لهما ابن حزم: اسكتا قبحكما الله، وعليكما لعنته، أيكما الإنسيّ من الوحشيّ؟ والله لئن لم تسكتا لآمرنّ بكما فتدفنان. ثم جاء خال للجارية من الحاطبيين [٣] ، وهو ناقه مريض لو أخذ بعوضة لم يضبطها فقال:

أصلح الله الأمير، أنا خالها وأمي سودة، وأمّها حفصة، ثم رمى نفسه في القبر فأصاب ترقوة خرا الزنج فصاح: أوه أصلح الله الأمير، دقّ والله ترقوتي. فقال ابن حزم: دقّ الله عرقوتك وترقوتك، اسكت ويلك، ثم أقبل على أصحابه فقال: ويلكم إنّي خبّرت أنّ الجارية بادن، وأنّ مروان لا يقدر أن يثني من بطنه، وخرا الزنج مخنّث لا يعقل سنّة ولا دفنا، وهذا الحاطبيّ لو أخذ عصفورا لم يضبطه لضعفه، فمن يدفن هذه الجارية؟ والله ما أمرتني ابنة المظلوم بهذا.

فقال له جلساؤه: لا والله ما بالمدينة خلق من قريش، ولو كان في هؤلاء خير ما بقوا. فقال: من هاهنا من مواليهم؟ فاذا أبو هانىء الأعمى وهو ظئرها. فقال ابن حزم: من أنت رحمك الله؟ قال: أبو هانىء ظئر عبد الله بن عمرو بن


[١] الأغاني: ورداء عدني.
[٢] الأغاني: جاء الكلب ... الكلب.
[٣] ح: من الخطابيين.

<<  <  ج: ص:  >  >>