أعرابية وهي توصي ولدا لها يريد سفرا وهي تقول: أي بنيّ، اجلس أمنحك وصيّتي، وبالله توفيقك، فان الوصية أجدى عليك من كثير عقلك. قال أبان:
فوقفت مستمعا لكلامها، مستحسنا لوصيتها، فاذا هي تقول: يا بنيّ، إياك والنميمة فانها تزرع الضّغينة، وتفرّق بين المحبين. وإياك والتعرض للعيوب فتتّخذ غرضا، وخليق ألّا يثبت الغرض على كثرة السّهام، وقلّما اعتورت السهام غرضا إلا كلمته حتى يهي ما اشتدّ من قوّته. وإياك والجود بدينك والبخل بمالك. وإذا هززت فاهزز كريما يلين لمهزّتك، ولا تهزز اللئيم فانه صخرة لا ينفجر ماؤها. ومثّل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحته من غيرك فاجتنبه، فان المرء لا يرى عيب نفسه. ومن كانت مودّته في بشره وخالف ذلك منه فعله كان صديقه منه على مثل الريح في تصرّفها.
ثم أمسكت، فدنوت منها فقلت: بالله عليك يا أعرابية إلا ما زدته في الوصيّة. قالت: أوقد أعجبك كلام العرب يا عراقي؟ قلت: نعم. قالت:
والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم، ومن جمع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلة:
ريطها وسربالها.
«٩٩٤» - وقال بعض الحكماء لابنه: يا بني، اقبل وصيّتي وعهدي، فان سرعة ائتلاف قلوب الأبرار كسرعة ائتلاف قطر المطر بماء الأنهار، وبعد الفجّار من الائتلاف كبعد البهائم من التعاطف، وإن طال اعتلافها على آريّ واحد. كن يا بنيّ بصالح الوزراء أعنى منك بكثرة عددهم [١] ، فان اللؤلؤة خفيف محملها كثير ثمنها، والحجر فادح حمله قليل غناؤه.