للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفعله، حتى لا يتسلّط الهوى على حكمه، ولا يعترض الميل دون عدله، وأن يبسط للمتظلّمين وجهه، ويوطّىء لهم كنفه، ويبذل لهم بشره، ويرعيهم سمعه، ويمكّنهم من استقصاء حججهم، والابانة عن حقوقهم، وأن لا يخلو بأحد من [١] الخصماء دون صاحبه، ولا يمنعه ما يعطيه خصمه. قال الله جلّ ذكره (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ)

(ص: ٢٦) .

وأمره أن يحضر الخصوم خاطره، ويجمع لهم رأيه، ويصرف إليهم باله، ويفرّغ لأحكامهم ذهنه، فاذا ترافعوا إليه في خصومة طلب حكمها في نصّ الكتاب، أو ثبت السنّة وإجماع المسلمين واجتهاد الرأي، فان تلك وجوه النظر في الحكم وطريق إصابة الحقّ، ومن أخذ بالقرآن اهتدى، ومن اتبع السنة نجا، ومن تمسك بالاجماع سلم، ومن بذل الوسع أعذر. قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً. وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً)

(النساء: ١٠٥- ١٠٦) .

منه: هذا عهد أمير المؤمنين إليك، والحجة لك وعليك، قد أعذر أمير المؤمنين فيه وأنذر، وبصّر وحذّر، ولم يألك وعظا، ولم يدّخرك حظا، وأقامك على سبيل القصد، وبذل في تسديدك غاية الجهد، وظنّه بك الاصغاء إلى التذكّر، والاقتداء بالتبصّر، والعمل في ولايتك لآخرتك، والأخذ من عاجلتك لآجلتك. فكن عند ظن أمير المؤمنين بك، وقف عند مخيلته فيك، واجعل عهده إماما تقتفيه، ومثالا تحتذيه، وناج بوصيّته نفسك، واعمر بتأديبه قلبك، وأنه إليه أخبارك، واعرض عليه آثارك، واستدلله على ما يعضلك [٢] واسترشده


[١] م: وألا يأخذ من.
[٢] م: واستدلّ الله على ما يعضل.

<<  <  ج: ص:  >  >>