للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استخرتم الله عزّ وجلّ مفكّرين في بعد الطريق أو قربها، فانها إن دنت أدنت البغية، وإن نأت هيّجت الشهوة، وأن لا تخفّفوا الأكل مما حضر، طمعا في ما يأتي وينتظر، وإن كنتم له محققّين، ومن وروده على يقين، فللطعام اغتنامات، وللتأخير آفات، وربما أفسد الطبّاخ ما تراعون، وطرقت صاحب المنزل نائبة في عرض ما تأكلون، وأخطأتم في الحساب، وحصلتم على تجويع الارتقاب.

وهذا سفه في العقل، وركوب غرر في فوت الأكل.

وأن تتخيّروا من المواضع أفسحها، ومن المجالس أفيحها، لتكون معدكم مطمئنة هادية، وأيديكم ذاهبة جائية، فلا يتعذّر عليكم، تناول ما قرب من الأطعمة إليكم. وإن كان لأحدكم قريب، وولد أو نسيب، قرب منه أو بعد، فلا يتنغّص له، ويتمنّى أن يشاركه في ما أكله، فان ذلك مشغلة عن الاستكثار، ومقطعة عن الاحتكار، ودلالة على وهي العزم وضعفه، وإظهار لقلة [١] الرأي وسخفه، بل يستجدّ لذكراه أكلة مفردة، ويستأنف من جرّاه شهوة مجددة، فإنّ ذلك أدخل في باب التطفيل، وأولى بذوي الرأي الأصيل.

وان تجعلوا السكباج مفتاح الفم، وتعظموها تعظيم الأب والأمّ، فإنها القدر المحبوبة، والشهوة المطلوبة، والعلق الصّبور، واللون الذي لا يبور.

وأن تبالغوا في الإمعان، عند حضور الفرصة والإمكان، في أفخاذ الفراريج ولصيقها، وصدور الدراريج بعد تعليقها، فانها المنظر الأنيق لذي عين، واللذة القصوى لصاحب ماضغين. وأن تعتمدوا أكل الهرائس، عاريات من الملابس، خاليات من الجزمازج والجرادق، منقولات بالأصابع والملاعق، فإن فيها معنى الخبز [٢] ، من لباب البرّ والأرزّ، ولا فائدة في هذا التكرار، العائد بالتملّي والاستضرار [٣] .


[١] س: لأفولة.
[٢] م: الحزم.
[٣] م: والاستقرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>