للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد وقع الأمر في ذلك موقع الظلم لعلّتين: إحداهما أنه كان ينبغي أن تتقدّم إليّ بما تحبّ لأتّبعه وما تكره لأجتنبه، فإن ملت عن الواجب في أحد الأمرين فالعتب حينئذ واقع موقعه، وإلا فما الحجة عليّ، قال الله عزّ وجلّ وهو أولى من اتّبع علمه وأطيع أمره وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ

(التوبة: ١١٥) اللهمّ إلا أن تكون عاتبا بسبب فلان، وقد رددت الحكم فيه إليك، فإن خفّ الكتاب عليك نفذت لأمرك، وإن ثقل حملت نفسي على ما تحبّ، وإن نالني ما أكره. وكان ينبغي أن تنتظر بالعتاب رجوع الجواب، فإن خالفت أمرك فأنا أسرع إلى الحكم لك على نفسي منك. وقد أنصفت أخت جسّاس في قولها: [من الرمل]

يا ابنة الأقوام إن شئت فلا ... تعجلي باللوم حتى تسألي

فإذا أنت تيقّنت التي ... عندها اللوم فلومي واعذلي

ولست بحمد الله ممن يعيب وليه ولا يغتنم زلّته وهفوته، بل يبسط العذر حين لا عذر له، ويقيم الحجة إن وجبت له عليه. وفي دون ما قلت ما أغنى، لأنّ الاختصار إذا لم يكن كافيا، فإنّ الإكثار أحرى أن لا يكفي.

٣٥٢- قيل: وجد حماد بن أبي سليمان [١] أستاذ أبي حنيفة زلّة كانت منه إليه، فأظهر الإعراض عنه، فكتب إليه أبو حنيفة رقعة يقول فيها: من كان ذنبه إلى الكرام، والعفو عنه في أبدي الصالحين، وتوبته إلى الرحماء، وجنايته إلى الحكماء، كان حريّا بالسلامة، وجديرا بالتخلّص من الملامة، وكان ذلك من سعادة جدّه، ومن التوفيق الذي لا يسلمه إلى أشدّ [٢] عاقبة أمره.

فلما قرأها حماد صفح عن زلّته، وأعاده إلى رتبته.


[١] م: سليم.
[٢] ب: أرشد (وسقطت من م)

<<  <  ج: ص:  >  >>