مرتهنا، قال: ويلك فأين المهرب وأين المطلب؟ قال: إما أن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة الله، على ما ساءك وسرّك وأمضّك وأرمضك، وإما أن تضع تاجك وتلبس أطمارك وتعبد ربّك حتى يأتيك أجلك، قال: فإذا كان السحر فاقرع عليّ بابي، فإني مختار أحد الرأيين فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا لا يعصى، وإن اخترت فلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا لا يخالف، فقرع عليه الباب عند السّحر، فإذا هو قد وضع تاجه ولبس أمساحه وتهيّأ للسياحة، فلزما والله الجبل حتى أتاهما أجلهما، وهو حيث يقول عدي بن زيد العباديّ:[من الخفيف] .
أم لديك العهد الوثيق من الأيا ... م بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون خلّدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
أين كسرى، كسرى الملوك أنوشر ... وان، أم أين قبله سابور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وشيّده كل ... سا فللطير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك منه فبابه مهجور
وتذكّر ربّ الخورنق اذ أش ... رف يوما وللهدى تفكير
سرّه ماله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضا والسدير
فارعوى قلبه وقال وما غب ... طة حيّ إلى الممات يصير
ثم بعد الفلاح والملك والإ ... مّة وارتهم هنالك القبور
ثم أضحوا كأنّهم ورق ج ... فّ فألوت به الصّبا والدّبور
قال: فبكى والله هشام حتى اخضلّت لحيته وبلّ عمامته، وأمر بنزع أبنيته ولزم قصره، فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان وقالوا: ما أردت إلى أمير المؤمنين؟ أفسدت عليه لذته ونغّصت عليه باديته، فقال: إليكم عنّي فإنّي عاهدت الله عهدا ألا أخلو بملك إلا ذكّرته الله عزّ وجل.