للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النجوم بخيرتها سليمة من المعايب، مبرّأة من المثالب، جمّة المحاسن، بعيدة عن المطاعن، لم يزر بها طول ولا قصر، ولم ينقصها ضعف ولا خور، ولم يشبها لين ولا رخاوة، ولم يعمّها كزازة ولا قساوة، فهي آخذة بالفضائل من جميع جهاتها، مستوفية للممادح بسائر صفاتها، صلبة المعاجم، لدنة المقاطع، مؤنقة القدود والألوان، محمودة المخبر والعيان، قد استوى في الملامسة خارجها وداخلها، وتناسب في السلاسة عاليها وسافلها، وتعاصي الكاسر المعاسر، وتمانع المغامر المكاثر [١] ، حتى إذا انتحتها مدى التقويم، وتباشرتها شفار التعليم، أقام التثقيف أودها، وهدى التسديد زيغها، نبتت بين الشمس والظلّ، واختلف عليها الحرّ والقرّ، فلاحها وقدان الهواجر، وسفعها سماء شهر ناجر، ووقذها الشّفان بصرده، وقذفها الغمام ببرده، وصابتها الأنواء بصيبها، واستهلّت عليها السحائب بشآبيبها، فاستمرّت مرائرها على إحكام، واستحصد سحيلها بالإبرام، وجاءت شتى الشّيات، متغايرة الهيئات، متباينة المنابت والأوطان، مختلفة المحالّ والبلدان، تختلف بتباعد ديارها، وتأتلف بكرم نجارها، فمن أنابيب قنا ناسبت رماح الخطّ في أجناسها، وشابهت [٢] أسود الغيل في أخياسها، وشاكلت المذهب في ألوانها، وضاهت الحرير في لمعانها، كأنها الأميال استواء، والآجال مضاء، بطيئة الحفا، ممرّة القوى، لا يشظّيها القطّ، ولا يتشعّب بها الخط: من مصريّة بيض كأنها قباطيّ مصر نقاء، وغرقىء البيض صفاء، غذاها الصعيد من ثراه بلبّه، وسقاها النيل من نميره وعذبه، لم يضوها عطش ولم يشرقها ري، فجاءت ملتئمة الأجزاء، سليمة من الالتواء، تستقيم شقوقها في أطوالها، ولا تنكب عن يمينها ولا شمالها، يقترن بها صفر كأنها معها عقيان قرن بلجين، أو ورق خلط بعين، وكأنما أشربت ماء الجساد، أو صبغت بالخلوق قبل المداد، تختال في صفر ملاحفها، وتميس في


[١] ب: المعاسر.
[٢] م: وشاكهت.

<<  <  ج: ص:  >  >>